للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الصلاة خلف المبتدع]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والصلوات الخمس جائزة خلف من صليت خلفه، إلا أن يكون جهمياً فإنه معطل، وإن صليت خلفه فأعد صلاتك، وإن كان إمامك يوم جمعة جهمياً وهو سلطان فصل خلفه وأعد صلاتك، وإن كان إمامك من السلطان وغيره صاحب سنة فصل خلفه ولا تعد صلاتك].

قوله: (والصلوات الخمس جائزة خلف من صليت خلفه)، أي: خلف البر والفاجر، إلا أن يكون مبتدعاً بدعته مكفرة، فالصلاة خلف الفاسق والمبتدع فيها تفصيل عند أهل العلم.

فقد اختلف العلماء في الصلاة خلف الفاسق والمبتدع الذي لا يصل فسقه ولا بدعته إلى الكفر، قال العلماء: إن كان إمام المسلمين فيصلى خلفه والصلاة صحيحة، أو كان لا يوجد في البلد إلا مسجد واحد وإمامه فاسق أو مبتدع فتصلي خلفه، ومن لم يصل خلفه فهو مبتدع، يعني: إما أن تصلي خلفه، وإما أن تصلي في البيت، وإن صليت في البيت فأنت مبتدع.

أما إذا وجد مسجد آخر إمامه عدل، وصليت خلف المبتدع والفاسق، فإن كانت تحصل بذلك فتنة أو مفسدة، فصل خلف المبتدع درءاً للمفسدة، وإن كانت لا تحصل فتنة أو مفسدة، فصل خلف السني.

أما الصلاة خلف الفاسق ففيها قولان لأهل العلم: فقد قال بعض أهل العلم: لا تصح، وهو مذهب الشافعية والأحناف.

وقال آخرون وهم الحنابلة: تصح الصلاة خلف الفاسق.

والصواب أنها تصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري من حديث أبي هريرة: (يصلون لكم) يعني: أئمة المسلمين، (فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم).

وقد صلى الصحابة خلف الحجاج بن يوسف الثقفي وكان فاسقاً ظالماً يقتل الكثير، فقد قتل الألوف، وصلوا خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان يشرب الخمر حين كان أمير الكوفة.

أما إذا كانت البدعة والفسق تؤدي بصاحبها إلى الكفر، فلا تصح الصلاة، فالقاعدة تقول: الصلاة خلف الكافر لا تصح بالإجماع، وإذا صليت وجب أن تعيد الصلاة، مثل وثني يدعو غير الله، وهذا يوجد بكثرة في بعض البلدان، كقبوري يدعو غير الله، أو يذبح للأولياء، أو ينذر لغير الله، أو يطوف بغير بيت الله، فهذا لا تصح الصلاة خلفه، وإذا صليت وأنت لا تدري ثم علمت تعيد الصلاة.

(أو كان جهمياً)، وهو من يقول: إن الله في كل مكان، فهذا لا تصح الصلاة خلفه، أو قدري يقول: إن الله لا يعلم الأشياء قبل كونها، أو رافضي، لا تصح الصلاة خلفهم فهم كفرة، فإذا صليت خلف رافضي أو قدري أو جهمي أو قبوري وثني، فلا تصح صلاتك.

وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (والصلوات الخمس جائزة خلف من صليت خلفه، إلا أن يكون جهمياً)؛ لأن الجهمي كافر، ومثله القبوري والقدري والرافضي؛ فإنه معطل، (وإن صليت خلفه فأعد الصلاة).

(وإذا كان إمامك يوم جمعة جهمياً، وهو سلطان فصل خلفه وأعد صلاتك)، والفائدة من الصلاة خلفه مع أنك ستعيد الصلاة هي أن تأمن شره، لأنك لو لم تصل خلفه فيعاقبك، أو تحصل فتنة بذلك، فصل خلفه ثم أعدها في البيت، أما إذا لم تحصل فتنة بذلك فصل في البيت ولا تصل خلفه.

(وإن كان إمامك من السلطان وغيره صاحب سنة فصل خلفه ولا تعد الصلاة).

<<  <  ج: ص:  >  >>