قال المؤلف رحمه الله تعالى:[وأن القرآن إلى السنة أحوج من السنة إلى القرآن].
وهذا القول مأثور عن مكحول الشامي رحمه الله، ومشهور عن الأئمة, فقد قال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل - وقد سئل عن الحديث الذي روي أن السنة قاضية على الكتاب، فقال: ما أجسر على هذا أن أقوله إن السنة قاضية على الكتاب, وإن السنة تفسر الكتاب وتبينه، وهذا ذكره ابن عبد البر، وهو الصواب؛ لموافقته قوله تعالى:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل:٤٤].
فقوله:(القرآن إلى السنة أحوج من السنة إلى القرآن) , أي: أن القرآن يحتاج إلى إيضاح, والذي يوضح معاني القرآن هي السنة, فتخصص عموم القرآن وتقيد مطلقه.
قال بعض السلف: إن السنة قاضية على الكتاب، أي: تبين وتوضح وتفسر معناه، وتقيد مطلقه، وتخصص عمومه، وقال بعض السلف: ما أجسر أن أقول: إن السنة قاضية على الكتاب! لكن أقول: السنة تفسر الكتاب, فقال بعض السلف: لا ينبغي أن يقال إن السنة قاضية على الكتاب فهذه كلمة صعبة، لكن نقول: السنة مفسرة وموضحة ومبينة للقرآن، ولمعانيه، ومخصصة لعمومه، ومقيدة لمطلقه كما قال تعالى:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل:٤٤].
والمعنى: أنه لا بد من العمل بالقرآن والسنة, والسنة وحي ثان، فمن قال: إنه لا حاجة إلى السنة وأنكرها فقد كفر؛ لأن السنة وحي ثان، قال الله تعالى عن نبيه الكريم:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:٣ - ٤].