قال المؤلف رحمه الله تعالى:[والكلام والجدال والخصومة -في القدر خاصة- منهي عنه عند جميع الفرق؛ لأن القدر سر الله، ونهى الرب تبارك وتعالى الأنبياء عن الكلام في القدر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخصومة في القدر، وكرهه أصحاب رسول الله والتابعون، وكرهه العلماء وأهل الورع، ونهوا عن الجدال في القدر، فعليك بالتسليم والإقرار والإيمان واعتقاد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جملة الأشياء، وتسكت عما سوى ذلك].
قوله:(الكلام والجدال والخصومة في القدر خاصة منهي عنه عند جميع الفرق) أي: أن على الإنسان أن يسلم لقضاء الله وقدره وليس له أن يخوض ويجادل ويخاصم في القدر؛ فإن الخصومة في القدر تؤدي إلى التشكيك والاعتراض على قضاء الله وقدره، وهذا يؤدي إلى إنكار القضاء والقدر والشك في قضاء الله وقدره، وإنكاره كفر.
قال:(والقدر سر الله في خلقه)؛ ولهذا قال الطحاوي في عقيدته الطحاوية: القدر سر الله في خلقه, نهى الله الخلق عن الكلام فيه، وطواه عن أنامه ونهاهم عن مرامه إلى أن قال: -فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.
وهذا منهي عنه عند جميع الفرق إلا القدرية فهم يتكلمون فيه.
وقوله:(ونهى الرب تبارك وتعالى الأنبياء عن الكلام في القدر) , فقد نهى الله سبحانه وتعالى نبيه نوحاً عن ذلك فقال:{فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[هود:٤٦] وهذا الأمر يشمل القدر وغيره.
وقد يدخل ذلك في عموم قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}[المائدة:١٠١]، ثم قال:(ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخصومات في القدر) وهذا ثابت، فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع بعض أصحابه وهم يتنازعون في الآيات فغضب.
وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أيضاً النهي عن الخصومة في القدر، وكذلك كرهه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكرهه العلماء وأهل الورع، وهذا ثابت، ونهوا عن الجدال في القدر: فعليك -أيها المسلم- بالتسليم والإقرار والإيمان بقضاء الله وقدره فلا تعترض، والإقرار معناه أن تقر بأن الله قدر كل شيء وقضاه، وتؤمن بذلك.