قال المؤلف رحمه الله تعالى:[والإيمان بالقصاص يوم القيامة بين الخلق كلهم، بني آدم، والسباع والهوام، حتى للذرة من الذرة، حتى يأخذ الله عز وجل لبعضهم من بعض, لأهل الجنة من أهل النار, وأهل النار من أهل الجنة, وأهل الجنة بعضهم من بعض, وأهل النار بعضهم من بعض].
وهذا مما يجب الإيمان به, فيجب الإيمان بالقصاص بين الخلق كلهم يوم القيامة، وأن الله تعالى يقتص للخلائق بعضهم من بعض, سواء من بني آدم ومن غير بني آدم ومن السباع والهوام، وحتى للذرة من الذرة إذا اعتدت عليها فيأخذ الله عز وجل لبعضهم من بعض، وفي الحديث:(دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) حتى ماتت جوعاً, فالعدوان على الحيوانات فيه إثم، والمرأة دخلت النار بسبب هرة اعتدت عليها وربطتها حتى ماتت جوعاً.
وهذا معنى قول المؤلف:(الإيمان بالقصاص)، أي: يجب على المسلم أن يؤمن بالقصاص يوم القيامة, وأن الله تعالى يقتص للمظلوم من الظالم سواء كان من بني آدم أو من السباع والهوام وحتى للذرة من الذرة, وحتى يأخذ الله عز وجل لبعضهم من بعض فيأخذ لأهل الجنة من أهل النار.
فإذا كان هناك حق لواحد من أهل النار على واحد من أهل الجنة فإنه سيأخذ حقه منه, وإذا كان هناك حق لواحد من أهل النار على واحد من أهل الجنة فسيأخذه منه، فاليهودي والنصراني غير الحربي مثلاً لا يجوز قتله ولا أخذ ماله بغير حق؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:(من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) ودمه معصوم، فإذا اعتدى مسلم عليه وقتله أو أخذ ماله أو سرق منه، أو اقترض منه قرضاً ولم يعطه حقه فإن المعاهد يقتص من المسلم يوم القيامة، فدم الكافر حلال وماله حلال إذا كان محارباً وبيننا وبينه حرب وقتال، أما إذا كان ذمياً وليس بيننا وبينه حرب فهو معصوم الدم والمال لا يجوز قتله ولا يجوز أخذ ماله؛ ولهذا قال المؤلف:(حتى يقتص لأهل الجنة من أهل النار, وأهل النار من أهل الجنة, وأهل الجنة بعضهم من بعض, وأهل النار بعضهم من بعض).
وأهل النار كل يأخذ حقه ممن اعتدى عليه من أهل النار، وأهل الجنة كل يأخذ حقه ممن اعتدى من أهل الجنة، وأهل الجنة يأخذون حقهم ممن اعتدى عليهم من أهل النار، وأهل النار يأخذون حقهم ممن اعتدى عليهم من أهل الجنة؛ ولهذا إذا تجاوز المؤمنون الصراط أوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، وقد قيل إنها طرف الصراط، فيقتص لأهل الجنة بعضهم من بعض، وكل واحد يأخذ حقه قبل أن يدخل الجنة، فإذا اقتص بعضهم من بعض نزع الله الغل من صدورهم، ودخلوا الجنة في غاية من الصفاء وغاية من سلامة الصدور، قال تعالى:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}[الحجر:٤٧].