[التسليم والرضا بأقدار الله]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والرضا بقضاء الله، والصبر على حكم الله، والإيمان بما قال الله عز وجل، والإيمان بأقدار الله كلها خيرها وشرها، وحلوها ومرها, قد علم الله ما العباد عاملون، وإلى ما هم صائرون, لا يخرجون من علم الله، ولا يكون في الأرضين ولا في السماوات إلا ما علم الله عز وجل، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك, وما أخطأك لم يكن ليصيبك, ولا خالق مع الله عز وجل].
يستحب للإنسان أن يرضى بقضاء الله، ويجب أن يصبر على حكم الله، والصبر عند المصيبة معناه: حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي، وحبس الجوارح عما يغضب الله، وهذا هو الواجب، فلا يلطم الإنسان خداً ولا يشق ثوباً ولا ينتف شعراً، وهذا من النياحة, فالصبر على أقدار الله واجب، أما الرضا فهو مستحب.
(والإيمان بما قال الله عز وجل) , كذلك يجب الإيمان بشرع الله ودينه، والإيمان بالأوامر والنواهي.
(الإيمان بما قال الله عز وجل وأخبر به في كتابه وعلى لسان رسوله، والإيمان بأقدار الله كلها خيرها وشرها وحلوها ومرها).
والإيمان بالقدر له مراتب أربع لا بد منها: المرتبة الأولى: العلم.
والإيمان بأن الله علم كل شيء، فعلم الأشياء قبل كونها في الأزل، وعلم ما يكون منها في المستقبل والحاضر، وعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون.
والمرتبة الثانية: الإيمان بأن الله كتب كل شيء في اللوح المحفوظ، قال تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:١٢] وهو اللوح المحفوظ، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [الحديد:٢٢]، وفي الحديث: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء).
والمرتبة الثالثة: الإيمان بإرادة الله الشاملة لكل شيء, فكل شيء في هذا الوجود شاء الله وجوده.
والمرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد.
وهي الإيمان بأن الله خلق كل شيء، قال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:٢].
(قد علم الله ما العباد عاملون) وهذه المرتبة الأولى وهي مرتبة العلم.
(وإلى ما هم صائرون) فقد علم الله ما العباد عاملون في المستقبل، وإلى ما هم صائرون في الآخرة إما إلى جنة أو إلى النار، وهم لا يخرجون من علم الله.
(لا يكون في الأرضين ولا في السموات إلا ما علم الله عز وجل) قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:٥٩]، وهو اللوح المحفوظ، {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد:٨].
قوله: (وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك)، هذا من الإيمان بالقدر، ولا يجد الإنسان طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه, وأن الشيء الذي أصابك لا يمكن أن يخطئك وأن تسلم منه ما دام مكتوباً عليك، والشيء الذي يخطئك وتسلم منه لا يمكن أن يصيبك؛ لأن الله قدر ذلك, ولا خالق مع الله عز وجل؛ لقول الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر:٦٢]، فمن قال إن هناك خالقاً مع الله فهو مشرك، وقد أشرك في ربوبية الله.