للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيمان بالميزان يوم القيامة والأدلة على ذلك]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإيمان بالميزان يوم القيامة، يوزن فيه الخير والشر، له كفتان وله لسان].

هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، فهم يؤمنون بالميزان يوم القيامة، أي: أن هناك ميزاناً توزن فيه أعمال العباد وأقوالهم.

والله تعالى قادر على أن يزنها، فهي توزن ولو كانت أعراضاً، فإن الله تعالى يجعلها أجساماً، وتكون الخفة والثقل على حسب صلاح العمل، فالذي أعماله صالحه فإنها تثقل في الميزان، والذي أعماله غير صالحة فإنها تخف في الميزان.

ومن معتقد أهل السنة والجماعة، أن الميزان له لسان وله كفتان، كما جاء في حديث ابن عباس: (الميزان له لسان وكفتان)، وجاء في بعض الأحاديث أن كفتي الميزان كأطباق السماوات والأرض، فهو ميزان حسي، له كفتان ولسان، توزن فيه الأعمال، ويوزن فيه الأشخاص أيضاً على حسب العمل، كما قال الله تعالى عن الكفرة: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:١٠٥]، وقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:١٠٥]، وفي الحديث: (يؤتى بالرجل العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة).

وثبت في الحديث الصحيح أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كشفت الريح عن ساقيه، وكان دقيق الساقين رضي الله عنه، فضحك الصحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لم تضحكون؟ قالوا: من دقة ساقيه يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد).

واختلف العلماء هل هو ميزان واحد، أو أن هناك موازين متعددة، فمن العلماء من قال: إنه ميزان واحد، ومنهم من قال: هي موازين متعددة، لكل شخص ميزان، ولكل أمة ميزان، واستدلوا بقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:٤٧]، ومن قال إنه ميزان واحد أجاب عن ذلك بأنها جمعت باعتبار الموزون، وإلا فهو ميزان واحد.

فالمقصود أنه ميزان حسي، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، وخالف في ذلك أهل البدع كالمعتزلة، فقالوا: ليس هناك ميزان حسي وإنما هو ميزان معنوي، وحجتهم في ذلك قالوا: الرب لا يحتاج إلى الميزان؛ لأنه ليس عاجزاً، والميزان لا يحتاج إليه إلا البقال والفوال، أما الرب فلا يحتاج إلى الميزان، فأنكروا الميزان، وهذا من جهلهم وضلالهم؛ لأنهم يعملون عقولهم في النصوص، فهذا من أبطل الباطل، فإن هناك ميزاناً حسياً توزن فيه الأعمال والأشخاص، فمن ثقلت موازينه فهو من السعداء، ومن خفت موازينه فهو من الأشقياء، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة:٦ - ٧]، {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:٨ - ١١]، ويوزن فيه الخير والشر.

هذا هو الصواب، أنه ميزان حسي له لسان وكفتان خلافاً للمعتزلة القائلين بأنه ميزان معنوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>