[وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين فيما يحب الله ويرضى]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والسمع والطاعة للأئمة فيما يحب الله ويرضى، ومن ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين، ولا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن عليه إماماً براً كان أو فاجراً].
المعنى: أن من عقيدة أهل السنة والجماعة السمع والطاعة للأئمة فيما يحب الله ويرضى، أما المعاصي فلا يطاع فيها أحد، والمراد بالأئمة ولاة الأمور قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩]، وقال عليه الصلاة والسلام: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني).
لكن هذا مقيد بالأحاديث الأخرى، (على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة)، وحديث أبي ذر: (أمرني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف) وحديث عوف بن مالك الأشجعي: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قلنا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة) ولا يجوز الخروج على ولاة الأمور للمعاصي بل يجب الصبر وعدم الخروج.
فالسمع والطاعة تكون لولاة الأمور في طاعة الله، أما المعاصي فلا يطاع فيها، فإذا أمر الأمير شخصاً بشرب الخمر فلا يطيعه، أو أمره أن يقتل أحداً بغير حق لا يطيعه، إذا أمر الوالد ولده بالمعصية فلا يطيعه، وإذا أمر الزوج زوجته بالمعصية فلا يطيعها، وإذا أمر السيد عبده بالمعصية فلا يطيعه، (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) لكن لا يتمرد عليه، فليس للرعية أن يتمردوا على الأمير أو ولي الأمر، بل لا يطيعونه في المعصية وما عدا ذلك فيطيعونه، في الأمور المباحة ويطيعونه في طاعة الله ورسوله.
وهذا بخلاف أهل البدع، فإنهم لا يسمعون ولا يطيعون لولاة الأمور، كالخوارج، فهم يرون أن ولي الأمر إذا عصى كفر ووجب قتله وخلعه وإزالته من الإمامة، وكذلك المعتزلة فإنهم يرون أنه إذا عصى ولي الأمر وفعل الكبيرة خرج من الإمامة فلا يطيعونه، بل إن من أصول الدين عندهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضمنوه الخروج على ولاة الأمور إذا جاروا وظلموا، والروافض كذلك يرون أنه ليس هناك طاعة إلا للإمام المعصوم، وأما ولاة الأمور الموجودين في كل وقت فهم كفرة فسقة يجب قتلهم وخلعهم وإزالتهم من الإمامة، ولا طاعة إلا للإمام المعصوم، وهم الأئمة الاثنا عشر الذي نص عليهم بزعمهم.
قالوا: إن الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو علي، ولكن أهل السنة كفروا وفسقوا وارتدوا وخالفوا النصوص التي تنص على أن الخليفة بعده علي، فولوا أبا بكر زوراً وبهتاناً وظلماً، ثم ولوا عمر زوراً وبهتاناً وظلماً، ثم ولوا عثمان زوراً وبهتاناً وظلماً؛ لأنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على اثني عشر إماماً: علي بن أبي طالب ثم الحسن بن علي ثم الحسين بن علي ثم البقية كلهم من نسل الحسين وهم: علي بن الحسين زين العابدين ثم محمد بن علي الباقر ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي الجواد، ثم علي بن محمد الهادي ثم الحسن بن علي العسكري ثم المهدي المنتظر الذي دخل سرداباً في العراق سنة ستين ومائتين ولم يخرج إلى الآن، وأبوه الحسن بن علي قد مات عقيماً ولم يولد له، فاختلقوا له ولداً وأدخلوه السرداب قالوا: دخل السرداب وهو ابن سنتين أو خمس يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: مضى عليه أربعمائة سنة ولم يخرج في زمانه، ونحن الآن نقول: مضى عليه ألف ومائتين سنة ولم يخرج حتى الآن.
وهو شخص موهوم لا حقيقة له؛ لأن أباه الحسن مات عقيماً ولم يولد له، فهؤلاء الأئمة عند الشيعة وهم منصوصون معصومون.
فالروافض يقولون: ليس هناك طاعة إلا للإمام المعصوم، أما الولاة الموجودين كلهم فكفرة ظلمة يجب قتلهم ولا سمع لهم ولا طاعة.
إذاً: من عقيدة أهل السنة والجماعة السمع والطاعة لولاة الأمور فيما يحبه الله ويرضاه -كما قال المؤلف- خلافاً لأهل البدع.
فقوله: (ومن ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين)، بمعنى: أنه اجتمع عليه أهل الحل والعقد، وليس المراد بإجماع الناس كل فرد بعينه، بل المراد أهل الحل والعقد ورؤساء القبائل والأعيان والوجهاء فإذا بايعوه تمت البيعة، ولا يشترط أن يبايع كل واحد بعينه، وتسقط الخلافة بالانتخاب والاختيار كما ثبتت الخلافة لـ أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالاختيار والانتخاب، وكما ثبتت الولاية أيضاً لـ عثمان باختيار أهل الحل والعقد وبالإجماع، وكما ثبتت الخلافة لـ علي بمبايعة أكثر أهل الحل والعقد.
وتثبت الخلافة بولاية العهد من الخليفة السابق كما ثبتت الخلافة لـ عمر رضي الله عنه بولاية العهد من أبي بكر، وتثبت الخلافة أيضاً بالقوة والغلبة إذا غلب الناس بسيفه وقهرهم بسيفه واجتمعت عليه الكلمة فتمت له البيعة ولا يجوز الخروج عليه.