للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالسنة، ويملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت جورًا وظلمًا، ومن كان بهذه الصفة فلا شك أنه من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين.

وأما قوله: وجعله بصف الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.

فجوابه: أن يقال: إن ابن كثير -رحمه الله تعالى- لم يقل في المهدي إنه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يتجه الاعتراض عليه بأنه قد جعل المهدي في صف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم-، وإنما قال فيه إنه أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، وهذا الاعتراض عليه فيه؛ لأن هذه الصفة يجوز إطلاقها على كل إمام عمل بالكتاب والسنة، وبسط القسط والعدل، وأزال الجور والظلم، فكما يقال في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- إنهم خلفاء راشدون وأئمة مهديون، فكذلك يقال فيمن سار على منهاجهم من أئمة العدل ولو كان في آخر الزمان، وقد أجمع العلماء على أن عمر بن عبد العزيز من أئمة العدل، وأنه أحد الخلفاء الراشدين المهديين، ولم يعترض أحد من العلماء على هذا الإجماع، ولا قال أحد منهم إن هذا الإجماع يجعل عمر بن عبد العزيز في صف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم-؛ وذلك لأن هؤلاء الأربعة قد امتازوا بخصائص لم تكن لمن بعدهم من الخلفاء؛ منها صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والجهاد معه، وشهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم بالجنة، وكونهم من السابقين الأولين من المهاجرين، وكون خلافتهم خلافة نبوة، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأخذ بسنته وسنتهم والتمسك بها والعض عليها بالنواجذ، وهذه الخصائص هي التي تميزهم عن غيرهم من الخلفاء، وتمنع أن يكون أحد في صفهم، ولهم من الخصائص والفضائل الكثيرة غير ما ذكرنا، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدًا أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، وروى مسلم أيضًا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه. وفي هذين الحديثين دليل على علو منزلة الصحابة -رضي الله عنهم- على من بعدهم، فلا يكون أحد من التابعين ولا من بعدهم في صفهم، ولو كان خليفة راشدًا، فضلا عن أن يكون في صف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم-.

<<  <   >  >>