وأما قوله: وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الخلافة من بعدي ثلاثون سنة» وقد انتهت بوفاة عي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
فجوابه: أن يقال: مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله:«الخلافة بعدي ثلاثون سنة» خلافة النبوة؛ لقوله في حديث سفينة -رضي الله عنه-: «خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء» رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن حبان، والحاكم، وقال الترمذي:"حديث حسن"، وقد انتهت خلافة النبوة بنزول الحسن بن علي -رضي الله عنهما- عن الخلافة لمعاوية -رضي الله عنه- وذلك بعد قتل -علي رضي الله عنه- بستة أشهر.
وقد روى عبد الله بن الإمام أحمد عن أبي ريحانة- واسمه عبد الله بن مطر البصري- عن سفينة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«الخلافة بعدي ثلاثون سنة» فقال رجل كان حاضرًا في المجلس: قد دخلت من هذه الثلاثين سنة ستة شهور في خلافة معاوية، فقال: من ههنا أُتيتَ تلك الشهور، كانت البيعة للحسن بن علي بايعه أربعون ألفًا، أو اثنان وأربعون ألفًا.
وإذا علم هذا فلا تعارض بين قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة» وبين ما جاء في حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنهما- في ذكر الخلفاء الاثني عشر، ومثله ما تقدم في الأحاديث الثلاثة عن جابر وأبي سعيد -رضي الله عنهما- في ذكر الخليفة الذي يكون في آخر الزمان يحثو المال حثوًا، فإن الخلافة المقدرة بثلاثين سنة هي خلافة النبوة، وهذه الخلافة قد اختص بها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- وأُكمِلت بخلافة الحسن بن علي -رضي الله عنهما- وأما من كان بعد الثلاثين سنة فخلافتهم خلافة ملك. قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في "تهذيب السنن": "والدليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أوقع عليهم اسم الخلافة بمعنى الملك في غير خلافة النبوة، قوله في الحديث الصحيح من حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة:«سيكون من بعدي خلفاء يعملون بما يعلمون، ويفعلون ما يؤمرون، وسيكون من بعدهم خلفاء يعملون بما لا يعلمون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن أنكر بَرِئ، ومن أمسك سلم، ولكن من رضي وتابع» ".
قلت: هذا الحديث رواه ابن حبان في صحيحه، من حديث أبي هريرة ..........