رجل من أهل بيته في آخر الزمان يعمل بسنته، ويطابق خُلقه خُلقه، ويملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت جورًا وظلمًا، وتنعم الأمة في زمانه نعمة لم ينعموا مثلها، وفي بعض الروايات الصحيحة أنه يسمى بالمهدي، فمن رد الأحاديث الثابتة فيه فإنما يرد على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن أنكرها فإنما ينكر على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن استهان بها فإنما هو مستهين بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
الوجه الثاني: أن يقال: إن الإيمان بالغيب من أعظم أصول الدين، قال الله -تعالى-: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
ومن الإيمان بالغيب الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - مما كان فيما مضى وما سيكون في المستقبل، وقد ذكرت قريبًا قول شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية، ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتِّباع آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باطنًا وظاهرًا، وذكرت أيضًا قول شارح العقيدة الطحاوية:"لا ريب أنه يجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول إيمانًا عامًا مجملا"، وذكرت له وللطحاوي كلامًا أكثر من هذا، فليراجع ما تقدم (١).
وإذا علم هذا فمن الإيمان بالغيب الإيمان بما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، وقد قال الله -تعالى-: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» رواه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وفي الآية الكريمة وهذا الحديث الصحيح أبلغ رد على من استهان بالأحاديث الثابتة في المهدي، وزعم أن الأمر فيه عند سائر المسلمين أهون، وأن منكره لا يعد منكرًا لأصل من الدين.
وأما قوله: وجملة القول إننا لا نعتقد بهذا المنتظر، ونقول بضرر الاعتقاد به.
فجوابه: أن يقال: إذا لم يؤمن رشيد رضا وابن محمود بما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المهدي المنتظر، فإنما يعود وبال ذلك عليهما، قال الله -تعالى-: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ ......