للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما انتهى الملك من كلامه وسكت، سكت الحاضرون كلهم، فلم ينطق أحد منهم بكلمة، ثم بعد ذلك قاموا جميعًا وتفرقوا، وبعد ذلك لم نسمع عن الشيخ ابن سعدي أنه تكلم في أمر يأجوج ومأجوج بشيء حتى طبع تفسيره بعد سبع عشرة سنة من حين إخراجه للرسالة، فإذا كلامه في التفسير يوافق ما ذكره المفسرون في أمر يأجوج ومأجوج، ويخالف ما جاء في رسالته التي أنكرها العلماء وتهدده الملك وتوعده بسببها.

وأما قوله: فبرهن عن حقيقة رسالته، وأنها تصدق القرآن وتزيل اللبس والشك عنه، وترد على الملحدين قولهم وسوء اعتقادهم.

فجوابه: أن يقال: لا صحة لما ذكره ابن محمود ههنا فإنه غير واقع، وإنما أتى به ابن محمود من كيسه، والواقع في الحقيقة أن الشيخ ابن سعدي لما تهدده الملك وتوعده سكت، فلم ينطق بكلمة لا مع الملك ولا مع العلماء، إلا أنه دعا للملك بالحفظ وطول العمر، هذا ما ذكره لي بعض المشايخ الحاضرين مع ابن سعدي في مجلس الملك، فأما البرهنة عن الرسالة فهي من تلفيق ابن محمود.

وأما قول ابن محمود: إن رسالة ابن سعدي تصدق القرآن وتزيل اللبس والشك عنه، وترد على الملحدين قولهم وسوء اعتقادهم.

فجوابه: أن يقال: إن الأمر في الحقيقة على خلاف ما زعمه ابن محمود، فكل ما وصف به رسالة ابن سعدي في يأجوج ومأجوج فهي بضده؛ لأنها تخالف ما جاء في القرآن والسنة عن يأجوج ومأجوج، وتوقع الجهال في الحيرة والشك فيما أخبر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عنهم، وتفتح للملحدين باب القول في تأويل القرآن بالرأي والتخرص وتحريف الكلم عن مواضعه.

ويقال أيضًا: ما ذكره الله -تعالى- في كتابه عن دك السد وفتح يأجوج ومأجوج أنه يكون في آخر الزمان إذا اقترب الوعد الحق، أي إذا دنا قيام الساعة، فهو في غاية الوضوح والبيان، ومن زعم أن ذلك غير واضح وأنه يتطرق إليه اللبس والشك فلا شك أنه جاهل بالقرآن.

وأما قوله: لهذا تبين للعلماء حسن قصده.

فجوابه: أن يقال: هذا من التقول على العلماء، فإنه لم يبلغني عن أحد منهم أنه وافق ابن سعدي على رسالته، بل كلهم مجمعون على إنكارها والتحذير من الاغترار بها.

<<  <   >  >>