بل هذا مما يعلم بطلانه بالضرورة عند كل عاقل، إذ ليس في الأرض جبال متصلة من المشرق إلى المغرب، وكذلك لم أر لأحد من أهل العلم أنهم قالوا إن البحار الواصلة لمشارق الأرض ومغاربها إنها سد محكم بين يأجوج ومأجوج وبين الناس، وإنما هذا من التوهمات والتخرصات التي يعلم بطلانها بالضرورة.
يوضح ذلك الوجه الخامس: وهو أن يقال: إن البحار لم تكن حاجزًا بين الدول التي ذكرها ابن سعدي وبين غيرهم من الناس لا في قديم الدهر ولا في حديثه، وكذلك الجبال التي في مشارق الأرض ومغاربها لم تكن مانعة من اتصال العرب ولا غيرهم من الناس بتلك الدول لا في قديم الدهر ولا في حديثه، بل كان العرب وغيرهم من الأمم يذهبون إلى أي البلاد شاءوا من بلاد تلك الدول وغيرها من البلاد، وليس هناك حواجز تمنعهم من الذهاب في أنحاء الأرض وأقطارها إلا ما كان من بلاد يأجوج ومأجوج التي لا سبيل إليها إلا من الطريق الذي بناه ذو القرنين، وقد تقدم قول ابن عباس -رضي الله عنهما- والضحاك والقرطبي؛ إنها من قبل أرمينية وأذربيجان. فهذه البلاد لا سبيل إلى دخولها والاتصال بأهلها، ولا سبيل لأهلها إلى الخروج منها إلا في آخر الزمان، عند اقتراب الساعة وبعد نزول عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- وقتله الدجال، فحينئذ يندك السد ويخرج يأجوج ومأجوج من بلادهم، فيطئون البلاد فلا يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولا يمرون على ماء إلا شربوه، ثم يدعو عليهم نبي الله عيسى -عليه الصلاة والسلام- فيهلكهم الله -تعالى-، وقد تقدم ذلك قريبًا في عدة أحاديث صحيحة فلتراجع (١).
وأما قوله: حيث كان مسير الناس في ذلك الوقت على الإبل والبغال والحمير.
فجوابه: أن يقال: هذه زيادة من ابن محمود وليست في رسالة ابن سعدي، وكان ينبغي لابن محمود أن يبين ذلك.
وأما قوله: فتحركوا في وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول قتال وقع من المسلمين مع النصارى في وقعة مؤتة، وكان المسلمون أربعة آلاف وجيش النصارى مائة وعشرون ألفًا، فكشف للنبي - صلى الله عليه وسلم - عنهم يوم قتالهم، فقال وهو يخطب الناس:«أخذ الراية جعفر فأصيب، ثم أخذها زيد بن حارثة فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب، ثم أخذها سيف من سيوف الله، وهو خالد بن الوليد، ففتح الله عليه» يخبرهم بذلك ...................................