وهو يبكي، وهذا هو مبدأ تحركهم لقتال المسلمين والخروج عليهم، وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا».
فجوابه من وجوه؛ أحدها: أن يقال: هذا الكلام لابن محمود سوى قوله في أوله: فتحركوا في وقت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهذه الجملة هي التي من كلام ابن سعدي فقط، وقد مزج ابن محمود كلامه مع كلام ابن سعدي ولم يبين ذلك، بل أوهم أن الكل من كلام ابن سعدي، وهذا ينافي الأمانة في العلم.
الوجه الثاني: أن يقال: إن المسلمين في يوم مؤتة إنما قاتلوا الروم ومن انضم إليهم من نصارى العرب، فأما يأجوج ومأجوج فإنهم لم يروهم فضلا عن أن يقاتلوهم، وقد قال الله -تعالى-: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}، وقال -تعالى-: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ}، فسماهم في الآية الروم، وسماهم في الآية من سورة براءة أهل الكتاب، لو كانوا من يأجوج ومأجوج لسماهم بذلك كما سماهم به في سورة الكهف وسورة الأنبياء، وفي هذا أبلغ رد على من جعل الروم من يأجوج ومأجوج.
الوجه الثالث: أن يقال: إن المسلمين هم الذين تحركوا إلى قتال الروم وساروا إليهم في أوطانهم وبدأوهم بالقتال، فأما يأجوج ومأجوج فلا يقدر أحد على قتالهم كما ثبت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مخبرًا به عن الله - عز وجل-، وذلك فيما رواه الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، وابن ماجة، عن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- وقتله الدجال، ثم قال:«فينما هو كذلك إذ أوحي الله إلى عيسى؛ إني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرِّز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج» الحديث، وفي حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر عن عيسى -عليه الصلاة والسلام- أن الله - عز وجل- عهد إليه، أن يأجوج ومأجوج إذا خرجوا يطئون البلاد فلا يأتون على شيء إلا أهلكوه، وقد تقدم إيراد هذا الحديث وحديث النواس بن سمعان قريبًا (١).