ومن ذلك قوله في صفحة (٣٩): "لهذا لا ننكر على من أنكره– يعني المهدي–، وإنما الإنكار يتوجه على من اعتقد صحة خروجه".
وأقول: لا شك أن هذا من انقلاب الحقيقة عند ابن محمود، ورؤيته الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل الذي ينبغي إنكاره.
ومن ذلك زعمه في صفحة (٣٩) أن الأحاديث التي رواها الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة في ذكر المهدي كلها متعارضة ومختلفة، ليست بصحيحة ولا متواترة، لا بمقتضى اللفظ ولا المعنى.
وأقول: هذا من مجازفاته التي كررها في عدة مواضع.
ومن ذلك أنه في صفحة (٣٩) ذكر حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنهما- في ذكر الخلفاء الاثني عشر، وهو حديث صحيح قد اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في صحيحيهما، ومع هذا فقد شك ابن محمود في صحته، فقال في صفحة (٤٠): "فالاستدلال به على فرض صحته غير موافق ولا مطابق"، هذا حاصل تحقيق ابن محمود الذي زعم أنه تحقيق معتبر.
ومن ذلك قوله في صفحة (٤٠): "إن حديث جابر بن سمرة ينبغي أن يحمل على الواقع الملموس والمشاهد بالأسماع والأبصار، وذلك في حملة على حكام المسلمين الذين كانوا في القرون الثلاثة المفضلة". فعبَّر ابن محمود عن الواقع فيما مضى بأنه ملموس ومشاهد بالأسماع والأبصار.
وهذا كلام غير معقول؛ لأن الواقع في الماضي إنما يعبر عنه بالعلم ولا يعبر عنه باللمس ولا بالمشاهدة؛ لأن اللمس والمس إنما يكون بمباشرة اليد أو غيرها من الأعضاء لجسم آخر من غير حائل، وأما المشاهدة بالأبصار فإنما تكون للشيء الحاضر الذي تمكن مشاهدته، وأما المشاهدة بالأسماع فغير معقول؛ لأن الآذان إنما جعلت للسمع لا للمشاهدة، وبعد فهكذا يكون التحقيق المعتبر الذي تضحك منه الثكلى.
ومن ذلك زعمه في صفحة (٤١) أن المهدي مجهول في عالم الغيب.
وأقول: قد كرر ابن محمود هذه الكلمة في عدة مواضع من رسالته، وإذا كان المهدي مجهولا عند ابن محمود فإنه معلوم عند أهل السنة والجماعة، وأما كونه الآن في عالم الغيب فذلك لا يمنع من الإيمان بخروجه في آخر الزمان، والقول في خروجه كالقول في خروج غيره ممن أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بخروجهم في آخر الزمان؛ ...........................................