للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنبه هنا أنَّ حال المذاكرة أخصّ من السبب المتقدم "طلبُ التخفيف وإيثار الاختصار"، فهذا ربما يكون في المذاكرة وغيرها فهو أعم.

٧ - أن يكون الراوي الوَاقِف أو المُرسِل غيرَ راضٍ عَنْ الراوي الرافع أو عمن أسقطه:

فمثال الوقف صنيع شُعْبة مع حديث السّديّ وقد تقدم قريباً، وأمّا الإرسال فمن ذلك صنيع الإمام مالك:

قال الدارقطني: ((أو تعمد (٤٥) إسقاط عاصم بن عبيد الله؛ فإن له عادة بهذا؛ أن يُسقط اسم الضعيف عنده في الإسناد؛ مثل عكرمة ونحوه)) (٤٦).

وقد أشار إلى ذلكَ الشافعيُّ فَقَالَ-بعدَ نقلهِ قولاً لمالك-: ((وهو سيئ القول في عكرمة (٤٧)، لا يَرى لأحدٍ أن يقبلَ حَدِيثه، ... وَالعَجَبُ له أنْ يقولَ في عكرمة ما يقولُ، ثم يحتاج إلى شيء من علمهِ يوافق قوله ويسميه مرةً، ويروي عنه ظناً، ويسكت عنه مرةً فيروي عَنْ ثور بن يزيد عَنْ ابن عباس في الرضاع وذبائح نصارى العرب وغيره، وَسَكَت عَنْ عكرمة، وإنما حدّث به ثور عَنْ عكرمة)) (٤٨).

وقَالَ ابنُ كثير -بعد ذكره قول الدارقطني: ((وقولهما أولى بالصواب من قول مالك)) (٤٩)، في ترجيح من وصل حديث"إنَّ اللهَ لما خلق آدم مسح بيمينه ميامنه فأخرج منها ذرية طيبة ... " على رواية مالك المرسلة-: ((الظاهر أن الإمام مالكا إنما أسقط ذكر نعيم بن ربيعة عمدا لما جهل حال نعيم ولم يعرفه فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث ولذلك يسقط ذكر جماعة ممن لا يرتضيهم ولهذا يرسل كثيرا من المرفوعات ويقطع كثيرا من الموصولات)) (٥٠).

والإمام مالك بن أنس معروف عنه هذا التصرف فممن نص على هذا:

- الشافعي قَالَ: ((الناسُ إذا شكوا في الحَدِيث ارتفعوا، وكان مالك إذا شك في الحَدِيث انخفض)) (٥١).


(٤٥) يشير إلى الإمام مالك بن أنس.
(٤٦) علل الدارقطني (٢/ ٩).
(٤٧) يشير لمالك.
(٤٨) الأم (٧/ ٢٤٤).
(٤٩) علل الدارقطني (٢/ ٢٢١).
(٥٠) تفسير ابن كثير (٢/ ٢٦٤).
(٥١) بيان من أخطأ على الشافعي (ص١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>