للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مقالات للشيخ زهير الشاويش]

- مهنتي نشر تراث أمتي.

مهنتي نشر تراث أمتي

بقلم: زهير الشاويش

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وجميع صحبه، وبعد؛

ففي شعر: أبي الطيب -رحمه الله-:

أَتى الزَمانَ بَنوهُ في شَبيبَتِه ... فَسَرَّهُم وَأَتَيناهُ عَلى الهَرَمِ

ِفقد مضى عليَّ العمل بالتراث أكثر من ستين سنة، وما زلت. وقد تجاوزت الثمانين أعمل يومياً ما لا يقل عن عشر ساعات بها، وأكثر منها أيام العطل؟!

ومع أن الذي كان عندي قبل ذلك عدداً من مخطوطات أهلي القليلة، ومن ذلك "قرآن كريم" بخط والد جدتي لأمي، و"مولد" زعموا أنه للإمام ابن الجوزي، وقصة "تودد الجارية"، و"دلائل الخيرات"، ومخطوطة أيضاً لقصة "عنترة" بأربعين مجلد.

ولكن كان عندنا رسالة خاصة حفظت منذ سنة ١٠٦٦هـ عند أجدادي لأحدهم الذي كان من زعماء الأحياء، ويتولى تأمين مسيرة طريق الحج والتفاهم مع القبائل إلى المدينة المنوَّرة بعد فتح سورية، وفلسطين، ومكة من السلطان سليم العثماني.

وكانت دمشق -وحي الميدان تحديداً- يومها مجمع الحجَّاج من تركية وأهل المشرق وشمالي سورية، ويكون معهم -أحياناً- محمل العراق.

وجدي هذا هو الذي لقب بـ (الجاويش: الشاويش) من السلطان العثماني، ويومها كان لقباً كبيراً، لا كما هو اليوم يطلق على مثلي؟! وليس عندي عشرة من الجنود، أو الموظفين؟!

وهذه الرسالة اسمها "دفتر إرسالية المدينة المنورة".

ومعها مال كثير من أوقاف الحرمين الشريفين بدمشق وما حولها، وكان يحملها الجيش المرافق للوالي، ومعه القاضي بدمشق، ويتولى جدي الحراسة لها، إلى أن تصل إلى المدينة المنوَّرة، ومكة المكرَّمة، وتوزع على العلماء والموظفين، وأهل البلد، ويكتب كل ذلك في دفتر التقارير الموقعة والمجموعة بهذه الرسالة (سأعرض بعضها على الأخوة في معرض دار الفرقان).

ثم دار الزمن دورته، وأصبحت أمتلك (لنفسي) رسالة مخطوطة صغيرة اسمها " أيها الولد" للعلامة المربي (حجة الإسلام) الشيخ محمد بن محمد الغزالي -رحمه الله-.

اشتريتها من سوق المسكية بدمشق، عند الباب الغربي لمسجد بني أمية -رحمهم الله-، حيث تباع الكتب المستعملة ولها دلال خاص، والأوراق والأقلام والعطور وعيدان الأراك.

وبعد ذلك فتح الله عليَّ وتملكت حتى اليوم أكثر من عشرة آلاف مخطوط جمعتها من اغلب ما بيع في سورية ولبنان والبلاد العربية، في مدة تزيد على الخمسين سنة، كما أنني أحضرت بعضها من تركية، وما هُرِّب من داغستان وجوارها من البلاد التي كانت تحت الحكم الشيوعي، والتي كانت تنفذ أقسى العقوبات بمن يمتلك الكتب العربية، في عهد ستالين الظالم. كما أنني استرجعت بعضها مما كان هرِّب ليباع في أوروبة وغيرها.

والعجيب أنني تملكت عدداً من كتب السادة الحنابلة، وفيها بعض كتب شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله-، وأكثر ذلك من مكتبة كانت في الرياض لصاحبها الشيخ عبد الله بن حنيشل الخالدي، في منطقة دخنة قرب الجامع الكبير سنة ١٣٧٦هـ - ١٩٥٦م، وهي أول مكتبة رأيتها في الرياض.

وكذلك اشتريت مكتبات علمية كبيرة ذات تاريخ عريق، وأهلها كانوا ومازالوا أغنياء، مثل مكتبة آل: الشطي، والكزبري، والأتاسي، والخطيب، والعطار، والمنيِّر، والبيطار، والشيخ كامل القصاب، والشيخ عبد القادر بدران، ومكتبات حمص وحماة، ولبنان، وفلسطين، ومصر وغيرهم.

ولم يُعرض عليَّ كتاب مخطوط معتبر إلاَّ واشتريته -بفضل الله-، كما أنني لم أبع ورقة واحدة لأحد، رغم ما عُرض عليَّ من إغراء. ولم أبخل على طالب علم من الاستعانة بما عندي -والحمد لله-.

وقمت بتنظيف وترميم تلك الكتب، ورفع عاديات الحشرات عنها، وما لحق بها من الرطوبة والتمزيق والتداخل. وقمت بتجليد ما زال عنه غلافه، حتى عادت -والحمد لله- إلى ما كانت عليه.

وقمت بفهرستها مع أهلي، وأولادي، وأحياناً بمساعدة بعض الإخوة العلماء والموظفين عندي.

وقد مرت علينا ظروف صعبة لتأمين الجو المناسب من الحر والبرد والمطر والرطوبة، وتأمين الحماية لها وحفظها من الحرائق والتدمير، في العشرين سنة من حرب لبنان.

وإن كان من شكوى أقولها فهي: أنني طلبت يد العون -أيام الحروب الطويلة والهجرة المتعددة لعدد من البلاد- من بعض الذين يدَّعون حماية التراث، وأن تكون محفوظة عندهم بصورة أمانة مؤقَّتة، ولكن تعذَّر ذلك منهم مع الأسف؟! لعلَّ لها عذراً وأنت تلوم.

وقد سلِمت عندي -والحمد لله-، وما خسرته منها كان قليلاً، بل قليل جداً، {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: ٦٤].

وأمَّنت لصاحب السمو العالم الجليل الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني -رحمه الله- أكثر من أربعة آلاف مخطوط، وساعدني في هذه المجموعة الأستاذ الفاضل عبد البديع صقر -رحمه الله-، والعلامة الدكتور محمد مصطفى الأعظمي -حفظه الله-.

وقمت خلال أكثر من ستين سنة -أيضاً- على طبع ما لا يقل عن ألف كتاب مخطوط مباشرة، أو مستعيناً على طبعها بعدد من مخطوطات أجلبها عن كل كتاب، وكان يشاركني عدد من ذلك الإخوة الأفاضل أهل العلم.

وقد قام بعض الناس بطبع أو تصوير ما طبعت مدَّعين لأنفسهم ما شاءوا من العناية المزعومة، ويغفر الله لي ولهم.

والأخ القارئ المنتفع سيجد في مطبوعات المكتب الإسلامي للمخطوط والمطبوع، وفي كتابي "هوامش دفتر المخطوطات" شيئاً من هذا، وفي كتابي "المقدمات" بأجزائه الثلاثة، وسوف ألحقه بثلاثة مجلدات قريباً إن شاء الله.

وآمل أن أتمكن من فهرسة مكتبتي "للمطبوعات"، وما عندي من "الدوريات" و"المصورات" التي جمعتها في تلك المدة.

والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>