[رثاء الدكتور عاصم ابن الشيخ محمد بهجة البيطار]
ـ[بعنوان:. . مات أخي: عاصم البيطار، مربي الأجيال، والساعد الأيمن لشيخنا العلامة محمد بهجة البيطار. . . بقلم: الشيخ زهير الشاويش. ]ـ
مات أخي: عاصم البيطار
مربي الأجيال، والساعد الأيمن لشيخنا
العلامة محمد بهجة البيطار
بقلم: زهير الشاويش
***
اتصل بي ابن تيمية سبطي من دمشق، وأخبرني بوفاة الدكتور عاصم ابن شيخ الشام محمد بهجة البيطار، مساء الجمعة السابع عشر من جمادى الأولى ١٤٢٦هـ الموافق ٢٤/ ٦/٢٠٠٥م.
وعرف حفيدي أن لي علاقة به، لأن عنده من مطبوعات المكتب الإسلامي كتاب "حياة شيخ الإسلام ابن تيمية" للشيخ بهجة البيطار.
ولم يعرف أن أخي عاصم كان الساعد الأيمن لوالده في حلِّه وترحاله، وفيما ينقل أو يحقق من كتب، وبين يدي -الآن- العشرات من النقول التي يقول فيها الشيخ بهجة:
" ... أكتب هذه الكلمة في مكتبكم الإسلامي العامر بالعلم والدين، ولله الحمد ...
... ولكني منتظرفي هذه الأيام مجيئ ابني عاصم من (الرياض)، وأرجو مسامحتي على تقصيري في الكتابة، إذ أن رجيف اليد يشوهها، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
أنا أقدم ولادة من أخي عاصم بمقدار سنة ونصف تقريباً، وكان "عاصمٌ" (لصلة الأبوة) الأوثق والألصق بشيخنا علاّمة الشام والده الشيخ محمد بهجة البيطار.
والشيخ بهجة قد ربى الأجيال وكبار العلماء أمثال: الشيخ سعدي ياسين الصبَّاغ، والشيخ مسلم الغنيمي، والشيخ نعيم البيطار، والمئات بل الألوف، وكنت أنا من تلامذته الصغار. كما أنه درَّس زوجتي أم بلال كذلك.
كان عاصم الوسط بين أخويه: فيسار الأكبر، وعبد العزيز الأصغر، وسبقاه إلى رحمة الله تعالى.
درس عاصم العربية مع والده بصورة متواصلة، ثم كان خير خلف لوالده يربي ويعلم جيلاً بعد جيل.
ذهب عاصم إلى السعودية مع والده وعلَّم معه في الطائف. وكان معهما العلامة الشيخ سعدي ياسين، والعالم الرياضي الشيخ نسيب المجذوب، وكان لهم الأثر العلمي الباقي حتى اليوم، جزاهم الله الخير. وكان -أكثر الطلاب إن لم أقل كلهم- أكبر من عاصم سناً. رجع عاصم إلى دمشق والتحق بكلية الآداب في الجامعة السورية، ورافق عدداً من أصحابي، منهم الدكاترة: محمد بن لطفي الصباغ، وعبد الكريم الأشتر، ومازن المبارك حفظهم الله، والأستاذ أحمد راتب النفَّاخ رحمه الله تعالى الذي اختير عضواً في المجمع العلمي العربي مكان أستاذه الشيخ بهجة البيطار. وبعد ذلك قدَّر الله وفاة راتبٍ، وأن يكون اختيار المجمع لعاصم محل الأستاذ أحمد راتب النفَّاخ -رحم الله الجميع-.
وكانت صلتي بالأخ عاصم عريقة وثيقة. ثم قدَّر الله أن أغادر بلدي، ووجدت عاصماً قد عاد إلى المملكة العربية السعودية أستاذاً للصفوف العليا في معهد اللغة العربية، الذي أصبح فيما بعد "كلية اللغة في جامعة الملك سعود".
وبعد ذلك تسلم إدارة مجلة "الفيصل" السعودية سنوات عدة، وتوّجها بإدارة جيدة جداً، مما جعلها من أكبر مجلات العالم العربي. ومنذ سنوات قليلة قرر الاستقالة من المجلة -مع حرصهم على بقاءه-، ورجع إلى دمشق، واختير عضواً في المجمع العلمي العربي، وكان أهلاً لذلك، ولما هو أكبر وأنفع.
كان من مآثر أستاذنا الشيخ محمد بهجة البيطار، أنه لا يتقاضى نصيبه من نشر مؤلفاته، ولمَّا كان مني الإصرار ومنه الامتناع، فإنه كان يوافق -رحمه الله- أن أوزع ما يكافئ نصيبه عيناًً على طلاب المدارس. فإذا ما احتاج لبعض النسخ فإنه كان يحاول شراءها؟!
وبعد وفاة الشيخ بهجة، قلت لأخي عاصم: "الآن أصبح الحق لكم، فما تريد أن نفعل؟ ".
فقال: "يا زهير كان (والدي المادي؟ )، وكان يسميك (ولده الروحي)؟، فهل تريد أن تتغلب المادة على الروح!؟، افعل ما كان والدي يرضاه، وبس".
وكان يشير إلى ما كان شيخنا بهجة يخاطبني به، وما كان يكتبه لي وعني، ومن ذلك هذه الرسائل المرفقة.
لم أعرف في مشايخ الشام أكرم من الشيخ بهجة البيطار، ووجدت في ابنه الدكتور عاصم مثل ذلك في دمشق، وأثناء وجوده في الرياض كان كذلك، ومعه ومثله في ذلك الدكتور محمد بن لطفي الصباغ -حفظه الله.
وكان أخي الدكتور عاصم حريصاً على الحصول على ما عندي من مراسلات بيني وبين والده الكريم معي، أو ما جمعته من مراسلاته، أو فتاوى له مع الفاضل الشيخ محمد نصيف، أو آل اللاذقي في بيروت -الشيخ محمد طاهر وأخيه عبد الحفيظ وابنه إبراهيم-، الذي كان يحرص على جمع فتاوى كبار العلماء حول القضايا المستجدة، وكان منهم أستاذنا الشيخ محمد بهجة.
ليتني أستطيع تذكر كل ما كان بيني وبين عاصمٍ من علاقات فأكتبها، ولكن: إن الثمانين وقد بلغتها .. !؟
رحم الله الوالد شيخنا محمد بهجة، وابنه أخينا الطبيب عاصم.
وإنا لله وإنا إليه راجعون. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
بيروت في ٢٠ جمادى أول ١٤٢٦هـ الموافق ٢٧/ ٦/٢٠٠٥م