للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ـ[ما هي القاعدة التي نميز بها الأصول من غيرها في الصحيحين؟ وذلك أن البعض يضعف بعض أحاديث فيهما ثم يقول هي في الشواهد ويطلب إثبات أنها في الأصول]ـ

إذا لم يستوف الحديث شروط الحديث الصحيح فهو من الشواهد، وهي بالنسبة إلى صحيح مسلم تكون في آخر الباب في الغالب، وليس معنى هذا أن كل حديث في آخر الباب فهو من الشواهد، بل قد تكون جميع أحاديث الباب من الأصول ولكن حسب المناسبة.

ـ[ما قولكم في قضية نقد المتن؟ هل كان هذا النقد من صنيع المتقدمين الأوائل؟ وهل هناك مثال نقد فيه الأوائل المتن مع كون السند لا مطعن فيه البتة؟ وجزاكم الله تعالى كل خير وأتم النفع بكم]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فأعتذر إخواني عن تأخري عن الإجابة على أسئلتهم، وقد كنت منشغلا طوال الأيام الماضية بعدة أمور، ولم أجد وقتا كافيا للنظر فيها، وها أنا بفضل الله أجد الآن بعض الوقت أردت أن أستغله لمخاطبتكم ومشاركتكم في هذا العمل العلمي الجليل، أسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناتنا جميعا. إنه سبحانه وتعالى أهل التقوى وأهل المغفرة.

أما عن سؤالك أخي العزيز - زادك الله علما وإخلاصا وتوفيقا - فأقول:

إن فصل الإسناد عن المتن عند النقد، لم يكن من منهج المحدثين النقاد، بل يعد ذلك أسلوب كثير من المتأخرين والباحثين المعاصرين؛ إذ كان حكهم منصبا على الإسناد دون ربطه بالمتن، لذا اشتهر عنهم القول (إسناد صحيح) أو (إسناد ضعيف) أو (إسناد حسن) بدل قولهم (حديث صحيح) و (حديث ضعيف) و (حديث حسن).

أما على منهج المحدثين النقاد فلم يكن الحكم على الإسناد بانقطاعه واتصاله أو صحته وضعفه دون اعتبار متنه، وإنما يتوجهون في النقد صوب ما أخبر به الراوي عمن فوقه سندا ومتنا دون الفصل بينهنا؛ ذلك لأن الإسناد لا يتحقق إلا بانتهائه إلى المتن، وإلا فبماذا يحدث الشيخ عمن فوقه إذا لم يكن هناك متن.

وحديث ''تسلبي ثلاثا'' شاذ عند الإمام أحمد وغيره مع أن إسناده سليم من الانقطاع، وجميع رواته ثقات، وذلك لمخالفة أحد رواته في هذا المتن الأحاديث الصحيحة الثابتة في مدة العدة.

كذلك حديث قتيبة عن الليث في جمع التقديم، فقد أعل النقاد متنه مع كون رواته ثقات أجلاء.

وكتب العلل والضعفاء زاخرة بهذا النوع من الأمثلة التي تدل على نقد الأئمة القدامى للمتون مع كون السند متصلا ومسلسلا بالرواة الثقات، بل إن ظهور مصطلح (المدرج) و (المقلوب) و (المعلول) و (الشاذ) و (زيادة الثقة) الذي يتصل بالمتن يعد أوضح دليل على ذلك؛ لأن هذه المصطلحات تدل على أن النقاد لم يكتفوا في النقد بمعرفة الأحوال العامة لرواة الحديث، بل إنهم ينظرون فيما أخبر به الراوي عمن فوقه سندا ومتنا، ولو اعتمدوا في ذلك على أحوال الرواة لصححوا كل ما رواه الثقة، وما ظهر مصطلح الشاذ ولا المعلول ولا المقلوب ولا المدرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>