ـ[عندما أطبّق قواعد التفرّد على أحاديث (النهي عن التنعّل قائماً) أَصِلُ (بارك الله فيكم) إلى نتيجة كون الحديث لا يصحّ، فما قول فضيلتكم؟ ]ـ
نعم، لا يصح الحديث، وهي نتيجة سليمة فعلا، وبها تنسجم - أخي الكريم، حفظك الله تعالى - مع منهج النقاد؛ كأحمد بن حنبل والبخاري والترمذي وابن عدي وغيرهم (رحمة الله تعالى عليهم) إذ أعلوا هذا الحديث بعبارات مختلفة، واتفقوا على عدم صحته، على الرغم من تعدد طرق هذا الحديث، وفي الوقت ذاته لم يتجاوز المتأخرون موقف النقاد، ولم يعترضوا على تعليلهم، حين اكتفوا بالحكم على ظاهر السند؛ فمنهم من حسن بعض أسانيده، ومنهم من قال إن رواة بعض الأسانيد ثقات، أو الإسناد صحيح، وهذا الحكم لم يتجاوز ظاهر السند، يعني غاية ما في ذلك أن رواة بعض الأسانيد ثقات، أو فيهم صدوق لا أكثر ولا أقل، بغض النظر عما تكلم النقاد من التفرد، اللهم إلا ما ذكر المباركفوري (رحمه الله تعالى) معقبا على الترمذي بقوله: "فقول الترمذي لا نعرف لحديث قتادة عن أنس أصل محل نظر".
وأنت ترى أن تعليل النقاد لم يكن مبنيا على أحوال الرواة، وإنما على التفرد والمخالفة، مع أنهم أدرى بأحوالهم، ولم يصدر منهم ما يدل على ضعف الرواة الثقات أو الراوي الصدوق.
وهذا التفاوت المنهجي هو الذي يرتكز عليه أساسا كلامنا حول المتقدمين والمتأخرين؛ فنرى الحافظ المقدسي يحسن سند حديث أنس، بعد أن نقل قول الترمذي بأنه لا يصح عند أهل الحديث، ويتمثل هذا التفاوت المنهجي بينهما فيما يأتي: