وإن كان الخبر في الواقع إما صواب وإما خطأ لا ثالث لهما، فإن المخاطب لا يكون قادرا على أن يشعر دائما بما هو في الواقع كما هو، مع قناعتنا التامة أن الأئمة لم يتفقوا على تصحيح ضعيف ولا على تضعيف صحيح. وقد يعرف الناقد أن الخبر صحيح أو خطأ، وقد لا يعرف هذا ولا ذاك ولا يستطيع أن ينكره في الوقت ذاته، وبحسب توافر العواضد الخارجية تتفاوت الانطباعات من ناقد إلى آخر، أو يتفاوت انطباع ناقد واحد من وقت لآخر.
تقسيم الحديث تقسيما ثلاثيا أمر واقعي لا يختلف فيه اثنان، غير أن النقاد لم يتفقوا على تسمية هذه المرتبة المتوسطة بمصطلح خاص مثل الحسن، ولهم في ذلك عبارات مختلفة ولم يكن الخطابي حين قال: الحديث عند أهله صحيح أو حسن أو سقيم، قصد بيان أن المحدثين القدامى قد حددوا هذه الأقسام بهذه التسميات، وإنما قصده بيان التقسيم الثلاثي للحديث، وأما تسمية هذه الأقسام بمصطلحات خاصة بحيث إذا أطلق مصطلح منها لا يتبادر إلى الذهن إلا ذلك المسمى فكان ذلك في العصور المتأخرة.
وأما الترمذي فلم يعرف الحسن كمصطلح عام، وإنما عرف أسلوبه في الكتاب فيما يخص هذا المصطلح. ولذا لا ينبغي التزام جادة واحدة في تحديد معنى الحسن الذي يرد في كلام النقاد، لأنهم قد يطلقون الحسن على الصحيح أيضا.
ـ[جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال:(بلغنا أن الصراط أحد من السيف وأدق من الشعر)، فلم يذكر مسلم الإسناد إلى أبي سعيد، فماذا نسمي هذا النقل في مسلم بلاغا، أم مرسل صحابي، مع أني رجعت الى غرر الفوائد المجموعه للرشيد العطار فلم أجده ذكر في المعلقات أو المقطوعات أو غير ذلك؟! ]ـ
هذا الحديث يقال له مرسل الصحابي فإنه قال: بلغنا، وليس معلقا ولا بلاغا ولا مقطوعا، وهو متصل بالإسناد السابق، والدليل على ذلك ما ورد في آخر حديث أبي سعيد هذا:
''وليس في حديث الليث (فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين وما بعده) فأقر به عيسى بن حماد''، وكان هذا جوابا عن سؤال مسلم لعيسى بن حماد: أخبركم الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري. (والله تعالى أعلم)