ـ[قرأتُ لأحدهم قوله: أن الحديث لا يكون شاذاً إلا عند المخالفة، فما قولكم. ]ـ
لم يصب هذا القائل، لأن الشاذ عند المحدثين النقاد هو الغريب الذي لا أصل له - سواء تفرد به الثقة أو غيره - وقد نقل عنهم ذلك الحافظ الخليلي، وحتى الإمام الشافعي يقول: فعليك من الحديث بما تعرفه العامة وإياك والشاذ منه (الأم ٧/ ٧٠٣ - ٧٠٤)
وقال أيضا فيما تفرد به الأوزاعي بعد أن نقل عن أبي يوسف رحمه الله قوله: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، - قال رحمه الله -: ''فهو كما قال وقد بلغنا من هذا ما قال الأوزاعي وهو عندنا شاذ والشاذ من الحديث لا يؤخذ به'' (الأم ٧/ ٣٦٠)
ومما قال الإمام ابن الصلاح في مبحث العلة: ''ويستعان على إدراك (العلة) بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم ... ''.
وبهذا القول أصبح الإمام ابن الصلاح قد أقر بأن التفرد مثل المخالفة في التعليل، لكن فقط إذا انضمت القرائن إليهما تنبه العارف بهذا الشأن - سواء أفهم ذلك غيره ممن لم يتأهل أم لم يفهم -. ويتأيد ذلك بأن النقاد في كتبهم يعلون الأحاديث بالتفرد والغرابة كما يعلون بالمخالفة.
ومن أين لهذا القائل أن الشاذ لا يكون إلا بالمخالفة؟
ومن الجدير بالذكر أنه لا يوجد فرق بين الشاذ والمعلول، حسب تعريف الشاذ الذي استقرت عليه كتب المصطلح، إما أن يكون كلاهما مخالفا للصواب، أو غريبا ليس له أصل في حديث الراوي الذي أضيف إليه، وبالتالي يكون كل منهما مردودا غير مقبول.
وإذا نظرنا إلى واقعنا تبين لنا ذلك بجلاء، فالإنسان إذا أخطأ في نقل الخبر أو كذب فيه متعمدا إما أن يكون مخالفا لما يعرفه الناس، أو غريبا ليس له أصل في الواقع ولا يعرفه أحد من الناس. وأما إذا أصاب في النقل وكان صادقا فيه أصبح موافقا لما يعرفه الناس أو غريبا له أصل في الواقع.