للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ـ[ما رأيكم في تعارض رواية الثقة والضعيف، هل تقديم رواية الثقة مطرد، فإنك تجد من الأئمة من يرجح أحيانا رواية الضعيف أو من تكلم فيه على رواية غيره ممن هو أعلى منه ثقة وضبطا ويقول: هي أشبه بالصواب لاحتفافها بقرينة كلزوم الثقة للجادة أو كون المتن منكرا أو غير ذلك من القرائن المعرفة بخطأ الراوي أو احتمال خطئه؟ ]ـ

نعم يتوقف الترجيح على وجود قرائن وحسب دلالتها، والقرائن غير محصورة، ويتوفق فهمها واعتمادها في الترجيح على الخبرة الحديثية والمعرفة الواسعة، كما الإمام الحاكم: الحجة عندنا الحفظ والمعرفة والفهم لا غير. أما في حال عدم وجود قرائن يكون الثقة مقدما على من دونه بدون شك.

ـ[هل رواية المتروك لا تصلح للاعتبار مطلقا؟ وإن كانت لا تصلح فما تعليقكم على عبارة الترمذي فيما يقول عنه حديث حسن قال (كل حديث يروى .. وفيه لا يكون في سنده كذاب) فهل يعني أن روايات المتروكين تدخل ضمن حد الحسن عنده؟. . أو هل يعني أن الحسن عنده لا يراد به النوع المحتج به؟. . أو يدخل فيه ما يكون حجة وما دونه؟. . وقد قال الدارقطني وهو يعلل حديث يروى عن أبي هريرة وقد حصل فيه اضطراب من رواته الثقات: (ورواه عبد الله بن زياد بن سمعان عن المقبري عن القعقاع عن حكيم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشبهها بالصواب وإن كان ابن سمعان متروكا) العلل ٨/ ١٥٩. ]ـ

الذي احترز عنه الترمذي بقوله في الحسن هو المتهم بالكذب، ويدخل فيه المتروك المتفق على تركه أيضا، كما أوضح ذلك الحافظ ابن رجب الحنبلي في شرح العلل. وإن كان الراوي كذابا أو متروكا متفقا على تركه فإن الأصل المعمول به لدى عامة المحدثين هو أن لا يروى حديثه في كتبهم، لغير بيان الضعف، بخلاف المفسرين وأصحاب السير وغيرهم من الفقهاء، وقد يروي المحدث عن المتروك، لكن فقط على سبيل التساهل أو غفلة منه، كما وقع في بعض السنن والمسانيد غير المعللة.

أما تحسين الترمذي للحديث فلا يلزم منه أن يكون صالحا للاحتجاج به، كما سبق شرح ذلك في أكثر من مناسبة.

أما ما ذكرت من ترجيح الدارقطني فمبناه القرائن التي أوضحتها في الأسئلة فيما أرى، ومن نظر في عمل النقاد من جهة أحوال الرواة أشكل ذلك عليه، ومثل هذه المسألة التطبيقية ليس من السهل أن نعلق عليها قبل الفهم، وقد حاولت ذلك من خلال تتبع سريع، لكن وجدت نفسي تميل إلى ما ذكرت أنت أخي من سلوك الرواة الجادة، وأنا مقتنع باحتمال وجود أمور أخرى قد تكون معولا عليها لدى الدارقطني في الترجيح.

وعلى كل لا مانع من القول إن هذا الراوي المتروك لم ينفرد بإضافة الحديث إلى سعيد، وهو مصدر هذا الحديث، وباتفاق جميع الرواة ثبت أن الحديث قد حدث به سعيد، كما أن الحديث مرفوع أيضا باتفاق معظم الرواة، وليس ذلك مما انفرد به ابن سمعان أيضا. لكن الرواة اختلفوا حول شيخ سعيد في هذا الحديث، وحول الصحابي الذي رواه، ثم عند المقارنة بين الوجوه المختلفة نجد ما قاله ابن سمعان أصعب على اللسان أن يسلكه وهما وأن ينزلق إليه بغير شعور، بخلاف ما ذكره غيره مع اختلاف فيما بينهم، فالداقطني قد عبر عن ذلك بعبارة محترمة حين قال: (وهو أشبهها بالصواب وإن كان ابن سمعان متروكا). والله أعلم.

هذا وقد صحح ابن حبان هذا الحديث من رواية الوليد عن الأوزاعي عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي قال إذا وطىء أحدكم بنعله في الأذى فإن التراب لها طهور، على الرغم من الاختلاف على الأوزاعي الذي ذكره الإمام الدارقطني. (٤/ ٢٤٩)، وقد يكون ذلك التصحيح من تساهل ابن حبان.

<<  <  ج: ص:  >  >>