للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو المشهور عن جهم بن صفوان إمام المعطلة نفاة الأسماء والصفات، وإمام الجبرية، وغلاة المرجئة.

والثانية: هم من يعرفون بمرجئة الفقهاء، وهم الذين يقولون: إن الإيمان هو تصديق بالقلب، أو هو التصديق بالقلب واللسان يعني مع الإقرار، وأما الأعمال الظاهرة والباطنة؛ فليست من الإيمان، ولكنهم يقولون: بوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، وأن ترك الواجبات أو فعل المحرمات مقتضي للعقاب الذي توعد الله به من عصاه، وبهذا يظهر الفرق بين مرجئة الفقهاء، وغيرهم خصوصا الغلاة، فإن مرجئة الفقهاء يقولون: إن الذنوب تضر صاحبها، وأما الغلاة فيقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. والله أعلم.

ـ[ما هي الأمور التي اتفقت عليها فرق الخوارج؟ وما هي الأمور التي وقع فيها خلافٌ بينهم؟ وما هو القول الراجح في كفر الخوارج؟ وما ضابط أن يُطلق على شخصٍ ما، أو على فكرٍ ما أنه شخصٌ خارجي، أو فكرٌ خارجي؟ وجزاكم الله خير ما جزى عالماً عن طلابه. ]ـ

الحمد لله، الخوارج اسم لطائفة من المبتدعة ظهرت في خلافة علي رضي الله عنه، ومعظمهم كان في جيش علي ففارقه عندما اتفق علي ومعاوية على تحكيم أبي موسى، وعمرو بن العاص ـ رضي الله عنهم ـ، فأنكرت الخوارج ذلك وقالوا: حكمتم الرجال لا حكم إلا لله، فبعث إليهم علي ـ رضي الله عنه ـ ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ فناظرهم، فرجع كثير منهم، وانحاز الذين أصروا على مذهبهم إلى موضع يقال له: النهروان، فكفروا الحكمين، وعلي ومعاوية، ومن معهما، وأغاروا على سرح المسلمين، وقتلوا عبد الله بن خباب من أصحاب علي ـ رضي الله عنه ـ، فرأى فيهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه صفات المارقين الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، ورغب فيه، كقوله صلى الله عليه وسلم: " يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ". متفق عليه.

وفي حديث آخر في الصحيحين: " فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة ".، فقاتلهم علي رضي الله عنه بمن معه من الصحابة، وأظهره الله عليهم، وسُرّ بذلك ـ رضي الله عنه ـ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " تمرق ما رقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق ". رواه مسلم.

وأصل مذهبهم التكفير بالكبائر من الذنوب، وقد يعدون ما ليس بذنب ذنبا؛ فيكفرون به، كما قالوا: في التحكيم بين علي، ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ، فلذلك كفروا الحكمين، وكفروا عليا، ومعاوية، ومن معهما، ثم صاروا بعد ذلك فرقا حسْبَ زعاماتهم، ومن الأصول المشهورة عنهم إنكار السنة، ومن فروع ذلك:

إنكارهم المسح على الخفين، ورجم الزاني المحصن.

والذي يظهر: أنه لا يعد من الخوارج إلا من قال بهذين الأصلين، وهما:

التكفير بالذنوب، وإنكار الاحتجاج، والعمل بالسنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>