لقد سبق أن بينت لك بموجز من العبارة، وأراك تتفق معي فيه: أنَّ هذه الأحرف قرآن منَزَّلٌ، والله سبحان يقول:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، أفترى أنَّ القول بحذف ستة أحرف قرآنية يتفق مع منطوق هذه الآية؟!
ومن قال بأن الأمة مخيَّرةٌ بين هذه الأحرف فلا دليل عنده، ولا يوافق قولُه منطوق هذه الآية، ولو كان ما يقوله صحيحًا لوُكِلَ إلى المسلمين حفظ القرآن، كما وُكِلَ إلى من قبلَهم حفظُ كتب الله، وأنت على خُبْرٍ بالفرق بين الحِفْظَين، فما تركه الله من كتبه لحفظ الناس غُيِّرَ وبدِّل ونسي، وما تعهَّد الله بحفظه فإنه باقٍ، ولا يمكن أن يُنقص منه حرف بحال من الأحوال.
ولعلك على خبر كذلك بأن من كفر بحرف من القرآن، فقد كفر به كلِّه، فكيف بمن ترك أكثره مما هو منَزَّلٌ واقتصر على واحدٍ. هذا ما لا يمكن أن يقع فيه صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتأمَّل ذلك جيِّدًا، يظهر لك جليًا أنَّ القول بأنَّ القراءات التي يُقرأ بها اليوم على حرفٍ واحدٍ لا يصحُّ البتة.
إنَّ القول بأنَّ هذه القراءات على حرفٍ واحدٍ لا دليل عليه البتة، بل هو اجتهاد عالم قال به وتبعه عليه آخرون، والاجتهاد يخطئ ويصيب. ويظهر هنا أنَّ الصواب لم يكن حليف من رأى أنَّ هذه القراءات على حرفٍ واحدٍ.
[علاقة الأحرف السبعة بمصحف أبي بكر ومصاحف عثمان]
اعلم أنَّه لا يوجد نصٌّ صريحٌ في ما كتبه أبو بكر ولا عثمان رضي الله عنهما، لذا ظهر القول بأنَّ أبا بكر كتب مصحفه على الأحرف السبعة، وكتبه عثمان على حرف واحدٍ. وهذا القول لا دليل عليه البتةَ، وهو اجتهاد مدخولٌ.