والذي يدل عليه النظر أنه لا فرق بين ما كُتب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو مفرق في أدوات الكتابة آنذاك من رقاع ولخف وأكتاف وغيرها، وبين ما جمعه أبو بكر في مصحف واحد، ثمَّ بين ما فرَّقه عثمان ونسخه في المصاحف المتعددة في الأمصار، هذا هو الأصل، وهو أن القرآن الذي توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تمَّ أنه هو الذي بين يدي الأمة جيلاً بعد جيل، ولست أرى فرقًا بين هذه الكتبات الثلاث من حيث النص القرآني، وإنما الاختلاف بينها في السبب والطريقة فحسب.
ولو تتبعت المسألة عقليًا، ونظرت في اختيار زيد بن ثابت دون غيره من الصحابة، وبدأت من هذه النقطة = لانكشف لك الأمر، فلأبد معك مفقِّرًا هذه الأفكار كما يأتي:
١ ـ لا يجوز ألبتة ترك شيء من القرآن ثبت أنَّه نازل من عند الله، وأنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قرأ به، وأقرأ به الصحابة، وقد مضى الإشارة إلى ذلك.
٢ ـ أنَّ القرآن قد كُتِبَ في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - مفرَّقًا في الرقاع واللخف والعسب، ولم يكن مجموعًا في كتاب.
٣ ـ أنَّ القرآن كان متفرقًا في صدور الرجال، وهم على درجات في مقدار حفظه، قال زيد بن ثابت:«فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال».
٤ ـ أنَّ من أسباب اختيار زيد بن ثابت ما ذكره أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -، قال زيد:«وقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، لا أتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتتبع القرآن واجمعه».
فكان في هذا ما يميِّزه على متقدمي قراء الصحابةِ، أمثال أبيِّ بن كعب، وأبي موسى الأشعري، وسالم مولى حذيفة وغيرهم.
كما كان هذا ما ميَّزه على ابن مسعود خصوصًا، الذي جاء في الآثار أنه حضر العرضة الأخيرة، وقد كان اعترض على عدم إشراكه في جمع القرآن في عهد عثمان.