كان الحافظ المقدسي قد حسن السند بناء على أحوال الرواة؛ يعني أن السند ليس فيه ضعيف، بينما الترمذي يتجه إلى الحديث وروايته بقوله ''هذا حديث غريب''، وأيده بقول البخاري '' ولا يصح هذا الحديث، ولا حديث معمر عن عمار عن أبي هريرة''، كما استنكره الإمام أحمد من قبل، ثم بعد ذلك رجح الدارقطني وقف الحديث على أبي هريرة، وأما المتأخرون فنظروا في ظاهر السند، ففيهم من حسن السند كالإمام النووي، ومنهم من قال: رواته ثقات؛ كالهيثمي والمباركفوري، وفيهم من قال: هذا إسناد صحيح، دون أن يقول: ''هذا حديث صحيح''، وبين القولين فرق يعرفه من درس كتب المصطلح.
وإذا قمت بتتبع كل ما ورد في رواية الحديث من الطرق، كطريق جابر وأنس وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس، وحاولت فهمها على منهج النقاد فإنك لا تقدم أبدا على الاعتراض عليهم بتطبيق قاعدة تعدد الطرق يقوي بعضها بعضا، بحجة أنها ليست من رواية المتروكين.
ـ[ما هي المباحث العلميّة التي تقترحون على طلاب الحديث أن يشتغلوا بها في هذا الوقت؟ ]ـ
تقع على عاتق طلاب الحديث مسؤولية كبيرة تجاه السنة النبوية التي أصبحت في المرحلة الزمنية التي نعيشها مجالا مفتوحا ومسموحا لكل من هب ودب، فيصححون ويضعفون ويحسنون ويستنبطون الأحكام أو يستدلون بها، دون أن ينضبط ذلك بقواعد التصحيح والتعليل، وأصول التفسير والتأويل، ولذلك تكون مهمة الطلاب في هذه المرحلة كبيرة، ولا يجوز التهاون بها، لينفوا عن السنة تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين.
وتختلف طبيعة المهمة العلمية تجاه السنة النبوية باختلاف ميل كل منهم. فمن يميل إلى فقه السنة فعليه أن يتحصل على قواعد تفسير النصوص، ومن يميل إلى نقد الأحاديث فعليه أن يتدرب على التصحيح والتعليل من خلال التخريج العلمي مراعيا فيه أسلوب النقاد.