ـ[ما هو رأيكم في مسالة اشتراط السماع واللقي من عدمه بين المتعاصرين وهل اطلعت على ما كتبه الشيخ حاتم العوني؟ ]ـ
ما ذكره الشيخ حاتم الشريف - حفظه الله تعالى - في كتابه (الإجماع) هو عين الصواب، وكنت أرى ذلك منذ سنوات حين كنت في الجزائر، وقد طرحنا هذا الموضوع أمام بعض الطلبة هناك، فلما وجدت الشيخ حاتم قد عالج الموضوع بالأدلة الكافية سررت كثيرا، ودعوت له من أجل ذلك.
لا أدري كيف شاع بين العلماء أن مذهب مسلم في حكم الاتصال بالمعاصرة دون اللقاء بين راويين متعاصرين كان مطلقا، بينما يقيد الإمام مسلم ذلك بصريح قوله في المقدمة: "أما والأمر مبهم .... "، يعني عند الإبهام، وليس ذلك مطلقا في عنعنة المتعاصرين.
ومن المعلوم بدهيا أن الحكم بظاهر الأمر عند إبهام الحقيقة وفقدان آليات البحث عنها والتفتيش مألوف لدى الجميع، والخارج منه مشدد على نفسه دون أمر شرعي، لذا أصبحت دعوى مسلم بإجماع المحدثين على الحكم بالاتصال بمجرد المعاصرة مع إمكانية اللقاء بشرط أن لا يكون الراوي متهما بالتدليس أمرا واقعيا، ومن المحدثين البخاري وعلي بن المديني.
وأود أن أقول إن الشيخ حاتم ممن أحبه وأحترمه كثيرا لجودة ما كتبه وقدرته على تأسيس فكرته واستنتاجاته، ونفسه الطويل في البحث والتتبع والإبداع، وما يكتبه يعد نموذجا رائعا للأبحاث العلمية المبدعة.
جزاه الله تعالى خيرا وسدد خطاه، وحفظه من كل شر وفتنة تصرفه عن الانشغال بالأهم.
ـ[هل تتفضلون علينا بشرح طريقة مختصرة للحكم على الأسانيد. ]ـ
إن شاء الله سأفعل ذلك في المستقبل القريب إن شاء الله.
ـ[ما قولكم شيخنا في دعوى عدم احتجاج الإمام احمد بالحديث الضعيف وأن مقصوده الحسن. مع كون الشواهد تثبت قبول أحمد بالحديث الضعيف الذي لا وجه لتحسينه. ]ـ
فيما أرى أن المسألة فيها شيء من الخلط.
هنا عدة نقاط:
الأولى: أن الضعيف الذي يحتجون به أو يستأنسون به أو يقدمونه على الرأي هو الحديث الذي لم يتبين صوابه ولا خطؤه، وذلك لاحتمال أن يكون قولا للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد يطلقون عليه بالضعف أو بالحسن.
وأما ما تبين فيه الخطأ، وثبت أنه قول صحابي أو تابعي وليس قولا للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يحتج به، ولا مجال لتقديمه على رأي آخر، لتساويهما في الأمر.
الثانية: يظهر معنى احتجاجهم بهذا النوع من الأحاديث الضعيفة، وقصدهم بذلك من خلال النصوص الآتية:
يقول الأثرم: كان أبو عبد الله، ربما كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده شيء فيأخذ به إذا لم يجئ خلافه أثبت منه، مثل حديث عمرو بن شعيب وإبراهيم الهجري، وربما أخذ بالحديث المرسل إذا لم يجئ خلافه (شرح العلل ص: ١٨٨ - ١٨٩).
وقال الأثرم: سئل أبو عبد الله عن عمرو بن شعيب،: أنا أكتب حديثه وربما احتججنا به، وربما وجس في القلب منه شيء.
وقال أبو داود عن أحمد بن حنبل: أصحاب الحديث إذا شاؤوا احتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه وإذا شاؤوا تركوه، وقال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين، قال البخاري: من الناس بعدهم (التهذيب ٨/ ٤٩).
وفي ضوء هذه النصوص يمكن القول بأن احتجاجهم بتلك الأحاديث الضعيفة التي لم يتبين فيها الخطأ كان على سبيل الاحتياط لاحتمالها أن تكون مما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وليس احتجاجهم بها كما يحتجون بجميع أنواع الأحاديث الصحيحة وما يقاربها. (والله أعلم).