- مسجد الجامعة السورية وإعادة فتحه سنة ١٣٧٠ - ١٩٥١.
مسجد الجامعة السورية
وإعادة فتحه
سنة ١٣٧٠هـ - ١٩٥١م
بقلم: زهير الشاويش
نشر أحد الأصدقاء من المؤرخين كتاباً مطلع هذه السنة (٢٠٠٦)، وتعرَّض فيه إلى مسجد الجامعة السورية، ومما قاله:
((وفي مطلع الخمسينات، نشب خلاف كبير بين طلبة الجامعة السورية على الصلاة في المسجد الذي يتوسط مباني الجامعة، فرأى طلبة [جماعة الإخوان المسلمين] إن من حقهم نشر دعوتهم من خلال المسجد وحشد المصلين من خارج الجامعة، وخالفهم زملاؤهم الطلبة في هذا التوجه، وأصروا على أن يقتصر زوار المسجد على الطلبة فقط، ووقفنا نحن الطلبة [من القوميين] مع هذا الجانب، وقمنا بمنع دخولهم الحرم الجامعي.
وتلقف الدكتور زريق هذا الموضوع منذ بداياته، وتجاوز الإحراج المهني، إذ أن المرشد العام [هو المراقب] للإخوان المسلمين، الدكتور مصطفى السباعي، كان من أساتذتنا في كلية الحقوق، وتمكن الدكتور زريق من عقد اجتماع مع الطلبة المسلمين الذين لم يخرجوا من هذا الاجتماع إلا والموضوع بات منتهياً كلياً ... إلخ .. ))
وأردَّ على ما قاله عن مسجد الجامعة السورية بما يلي:
أقول -أنا زهير الشاويش-: حقيقة الموضوع: إن إحياء مسجد الجامعة كان بعمل وطلب من الأساتذة والطلاب الإسلاميين، وهم أغلب أساتذة وطلاب الجامعة، ومنهم شباب الأخوان، وكان يشاركهم الطلاب، من كل المدن السورية، حيث كانت الجامعة الوحيدة يومها، ويُدرس فيها من كل بلد سوري أو أردني وبعض اللبنانيين!!
فحمل الموضوع على الإخوان مسألة فيها نظر!! إن لم يكن يحمل بعض الأغراض!
وأما الخلاف الذي أشار إليه الأستاذ الفاضل، وسماه: خلافاً على الصلاة، وأن يقتصر زوار المسجد على الطلبة فقط!! [ونرجو أن يكون المانعون فيهم واحد من المصلين؟ ]
وقال: ووقفنا نحن الطلبة القوميون مع هذا الجانب [وارجو -أيضاً- أن يكون يومها يوجد جانب آخر]، وقمنا بمنع دخول الأغراب الحرم [كذا] الجامعي ... إلى آخر ما قال؟.
إن هذا الكلام من الأستاذ المؤرخ يذكره بعد مضي أكثر من خمسين سنة، وفيه وهم وغلط، وتحسين لوضع [لهم] ما كان موجوداً. بل كان المتدينون القوة الساحقة الغالبة.
وكنت شاهداً على هذا الموضوع، بل ومشارك فيه؟، فلا يجوز لي السكوت عن بيان حقيقته.
والحقيقة: أنه ومن سماهم ...... ، ولا البنات الذين أحضروهم لمنع المصلين، لم ينجحوا في منع الدخول للمسجد، بإغلاق الباب الحديدي الخارجي، منتهزين عدم وجود الإخوان يوم تلك الجمعة، لذهابهم لافتتاح مقرهم في بلدة درعا.
فكان الاتفاق بين من حاول منع المصلين مع الدكتور نعيم الحمصي [لعله يومها كان المشرف على شؤون الطلاب]، فطلبوا من حراس الجامعة إغلاق الأبواب، وأوقفوا ثلاث من بناتهم [وهن معروفات، والحق أن الأستاذ المؤرخ ابتعد لما كنت أحاور الحمصي] عند الباب الرئيس، الذي كن البنات يقفن عند فتحة واحدة منه، ويطلبن من كل مصل الرجوع، لأن المسجد تحول إلى نادي ومتحف؟ مع الاستهزاء بالمصلين، وأكثرهم من كبار السن؟ ومحاولة لمس أيديهم لنقض وضوئهم؟
ولكن حضر السيد صلاح الدين القطيفاني، ولما حاولن منعه، دفع الباب بقوته، وألقى البنات جانباً، وجعلن يصرخن، ووقف حراس الجامعة، ساكتين لأنهم من المتدينين.
وحاول الدكتور نعيم الحمصي الحضور إلى قرب الباب. فاتجهت إليه، ودخلت معه بنقاش شديد ملخصه: هذا مسجد عمّره السلطان عبد الحميد، وهو وقف للصلاة من أرضه إلى سمائه، ويحق لكل مسلم دخوله. وغداً نسأل الأوقاف الإسلامية هل سمحت لكم بإغلاق المساجد؟
فقال: هو من حرم الجامعة.
فقلت: اليوم جمعة، والجامعة معطلة، وأنت هنا فلماذا؟ وأنت لم تكن تصلي معنا، وهؤلاء الذين معك والبنات كذلك، فلماذا حضرتم اليوم، ونحن الآن سندخل المسجد حتماً، وغداً أنا أسأل مدير الجامعة الدكتور قسطنطين زريق، وهل هو كلفك بهذا؟
وفي هذه الأثناء، سمعنا من تجمع طلابهم -بعيداً عن الباب- ولا يتجاوز عددهم الثلاثين طالباً: بعض الصياح، وأحد طلابهم (ج .. ) ينادي ونحن بدنا كنيسة، وواحد يقول: سنلغي المسجد، ونجعله نادياً للفن، والبنات بعد أن دفعهن القطيفاني كن يصرخن مولولات، وسمعنا كلمات من تجمعهم فيها شتم للدين.
وهنا انتهزت الفرصة، وقلت للدكتور نعيم الحمصي: هل ترضى أن يسب الدين؟ وأنت تسمع، وغداً سأرفع الأمر للقضاء ..
وهنا جاء العديد الكبير من المصلين من المسجد، ومن القادمين للصلاة في المسجد، وفيهم الكثير (من الجيش والشرطة العسكرية المجاورة)، فانسحب مرشد الطلاب ومن معه مبتعدين، ولم يأت لصلاة الجمعة أي واحد منهم، ودخل الناس للصلاة، وترك الباب شبه محطم!!
وفي اليوم الثاني ذهبت إلى مقابلة الدكتور قسطنطين زريق مع وفد من لجنة مسجد الجامعة، وكان معه الحمصي، وبينت له ما حدث البارحة، وحرصت على بيان الاعتداء على المصلين ومسبة الدين، وأنني اتصلت ليلاً بوزير المعارف الدكتور منير العجلاني، وطلب إليَّ التفاهم معك، وإخباره بما يتم؟
فالتفت إلى الدكتور نعيم الحمصي وقال له بشكل عنيف: لازم تشوف من فعل مثل هذا حتى تعاقبه، ولا يجوز لأحد منع أحد، وأن الدين للجميع، والمشايخ -وأشار لنا- لا يحبوا رفع الأمر للقضاء.
وهنا تدخل الأستاذ سعيد الطنطاوي وقال: نحن لم نحضر للشكوى من هؤلاء، ولكن حضرنا نريد إيقاف الدهان من إعادة تزيين المسجد بالصور والرسوم، ونطلب فرش المسجد مما في الجامعة من الفرش والسجاد، ونطلب تحديد قاعة للمصليات الطالبات، ونريد وضع أماكن وضوء للرجال، وأماكن خاصة للطالبات؟
فطلب الدكتور زريق من الدكتور نعيم، أن يذهب مع الأخوة، ليأخذوا ما عندنا من سجاد وحصر، وإعطاءنا قاعة لصلاة النساء، وهذه القاعة الكبرى، كانت مركزاً للداعيات، ومنها خرجن متسترات لما سمي: الحجاب الشرعي، الذي تستر به مئات الألوف بعد ذلك، وانظر مجلة الرسالة المصرية. حيث كتب الأستاذ علي الطنطاوي عن ذلك في مقال عنوانه (الآنسة ن).
والذين حضروا لمقابلة الدكتور زريق من لجنة مسجد الجامعة هم: الدكتور هيثم الخياط، والدكتور مخلص الحكيم، والأستاذ راتب النفاخ، والأستاذ سعيد الطنطاوي، والدكتور محمد الصباغ، وكلهم طلاب في الجامعة يومها، وليسوا من الإخوان غير واحد منهم.
ولم يتم اللقاء مع من سماهم الأستاذ المؤرخ مع الدكتور قسطنطين زريق بحضورنا، والذي كان في الحقيقة بغاية اللطف والتجاوب التام مع المصلين واللجنة.
ويؤكد كلامي هذا مقدمتي لكتاب "رسائل مسجد الجامعة" في الطبعة الثانية ١٩٨٥، بمجلداته الثلاث، طبع المكتب الإسلامي.
وما أذيع من مقابلة (صفحات من حياتي) مع الدكتور هيثم الخياط على قناة المجد الفضائية السعودية منذ سنتين مع الدكتور فهد بن عبد العزيز السنيدي.
وأن حقيقة موضوع مسجد الجامعة السورية بقي حتى اليوم، وفيه نشاط إسلامي واسع، ولم يزل والحمد لله كذلك.
وحبذا لو أن الأستاذ المؤرخ رجع عن قوله عن الإخوان: أن من حقهم، لأن الحق كان لدين الله.
(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) [الجن: ١٨]
وعن قوله: قمنا بمنع، ويتوب إلى الله، ومع أنكم لم تستطيعوا منع أحد، ولكن بأي حق تمنعوا الناس من الوصول للمسجد؟ وفي المسجد المئات، إن لم أقل أكثر؟ وأحياناً الألوف من المصلين.
وكنت أتمنى على الأستاذ المؤرخ: أن يحذف هذا الموقف من كلامه كما حذف غيره، وأرجو الله أن لا يجعلني وإياه من الذين قال فيهم:
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى، عَبْداً إِذَا صَلَّى) [العلق: ٩ - ١٠].
* * *
ويكفي هذا المسجد أنه كان السبب الرئيس لعزل رئيس الوزراء خالد العظم لخطبة الشيخ علي الطنطاوي فيه عن قضية الآداب، وملاحقة الأستاذ محمد لطفي الصباغ من قبل الأمن لخطبته بعد الجمعة الثانية عن نفس الموضوع.
واستقالة رئيس الوزارة بشير العظمة لخطبة الأستاذ عصام العطار بسبب حرية البلاد.
ونحن إذ ننشر هذا عن مسجد كان له في دنيا الثقافة السورية، الأثر الكبير، بل وفي البلاد العربية والإسلامية القدح المعلى في العقود الستين الماضية، ومازال حتى اليوم مركزاً للدعوة إلى الله بشكل واسع، وكتاب رسائله طبع مرات!
ويسرنا أن يعرف من تاريخ هذا المسجد ما ذكرنا.
كما علمنا أن لجنة مسجد الجامعة كانت مؤلفة من أفراد جرى انتخابهم من كل كلية واحد. ووافقت على هذا الانتخاب رئاسة الجامعة، أيام ولاية الدكتور زريق ومن قبله وبعده، ووراء كل واحد منهم مئات الطلاب.
وأما انتم (المانعون) فقد كنتم باعتدائكم ومحاولات منعكم المصلين، لا تمثلون سوى أنفسكم، وليس ورائكم أي واحد من الطلاب، والذي جاء معكم الدكتور نعيم الحمصي ظهر أنه لا يمثل الجامعة أيضاً كما تبين من كلام الفاضل الدكتور قسطنطين زريق رئيس الجامعة!
وأما موقفي والأخ القطيفاني -ثم من جاء معنا- كان السماح للمصلين بحكم حق المصلي: أن يدخل المسجد الذي هو في وسط حديقة الجامعة للصلاة، ولا يحق لأحد -أياً كان- منعه من ذلك.
وقد نزل الدكتور نعيم الحمصي على رأينا مرغماً، وانسحب مع مجموعته!؟
وكان معنا وزير المعارف، ثم رئيس الجامعة في اليوم الثاني، ومن ثم سلم لجنة المسجد قاعة ثانية لصلاة الطالبات، وأماكن للوضوء، والفرش للمسجد، واستمرار الصلاة للجميع طلاباً ورواداً لأكثر من ستين سنة!؟
ومن العلماء الذين تناوبوا على خطب الجمعة في هذا المسجد في السنتين الأولتين، أو كان كلامهم في الرسائل، أو الذين وردت أسماءهم في كتاب ((رسائل مسجد الجامعة ١ - ٣)):
علي الطنطاوي، مصطفى السباعي، عصام العطار، محمد سعيد العرفي، محمد ناصر الدين الألباني، سيد قطب، محمد خير الجلاد، محب الدين الخطيب، محمد هيثم الخياط، عز الدين إبراهيم، محمد المجذوب، مظهر العظمة، عبد القادر عودة، محمد أسد (ليولد فايس - المسلم الألماني)، عبد العزيز كامل، تقي الدين الهلالي، رأي مصطفى صادق الرافعي، أبو الحسن علي الحسني الندوي، محمد سعيد الطنطاوي، محمد بن عبد الرحمن خليفة، أبو الأعلى المودودي، محمد بن لطفي الصباغ، سليمان الندوي، أمين أحسن إصلاحي، أبو عمر الداعوق، محمد سعيد المولوي، محمد أحمد الغمراوي، عبد الوهاب حمامي، وهبي سليمان الألباني، كلام من حسن البنا، كلام من عباس محمود العقاد، جودت سعيد، محيي الدين القليبي التونسي، وحيد الدين خان، والدكتور حسن هويدي، والدكتور عز الدين جوالة، وغيرهم العشرات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.