ومن المعلوم أن طلب السبب واستفسار الوجه إنما يعقل إذا أغرب الناقد برد حديث صححه غيره من النقاد، أو بتصحيح حديث أعلوه، أو إذا أصدر الحكم من لم يكن من أهله، وأما في غير ذلك فيعد تلاعبا بكلام القوم دون أن يشعر.
يقول الحافظ ابن حجر: ... فمتى وجدنا حديثا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله، فالأولى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه، وهذا الشافعي مع إمامته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول: وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث (النكت ٢/ ٧١١).
ويقول السخاوي في نوع "الموضوع": فمتى وجدنا في كلام أحد المتقدمين الحكم به كان معتمدا لما أعطاهم الله من الحفظ الغزير وإن اختلف النقل عنهم عدل إلى الترجيح اهـ (فتح المغيث ١/ ٢٣٧)
ويقول أيضا في مناسبة تعليقه على شرح أبي حاتم منهج النقاد في معرفة صحيح الحديث وضعيفه: ''وهو أمر يهجم على قلوبهم، لا يمكنهم رده، وهيئة نفسانية، لا معدل لهم عنها، ولهذا ترى الجامع بين الفقه والحديث، كابن خزيمة والإسماعيلي والبيهقي وابن عبد البر، لا ينكر عليهم، بل يشاركهم، ويحذو حذوهم، وربما يطالبهم الفقيه أو الأصولي العاري عن الحديث بالأدلة'' (فتح المغيث ١/ ٢٧٤).
ويقول الحافظ ابن كثير: ''أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن فينبغي أن يؤخذ مسلما من غير ذكر أسباب، وذلك للعلم بمعرفتهم، واطلاعهم، واضطلاعهم في هذا الشأن، واتصفوا بالإنصاف والديانة، والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل أو كونه متروكا أو كذابا، أو نحو ذلك. فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفة في مواقفهم، لصدقهم وأمانتهم ونصحهم'' (اختصار علوم الحديث ص: ٧٩)