وقال ابن المديني أيضا:«أبو نعيم وعفان صدوقان لا أقبل كلامهما في الرجال هؤلاء لا يدعون أحدا إلا وقعوا فيه» تهذيب الكمال (٢٠/ ١٦٨). قال الذهبي:«يعني أنه لا يختار قولهما في الجرح لتشديدهما، فأما إذا وثقا أحدا فناهيك به» سير أعلام النبلاء (١٠/ ٢٥٠).
وقال أحمد بن حنبل لابنه صالح حين قدم من البصرة: لم لم تكتب عن عمرو بن مرزوق؟ فقال: نهيت، فقال: إنّ عفّان كان يرضى عمرو بن مرزوق ومن كان يرضي عفّان!. انظر: الجرح والتعديل (٦/ ٢٦٣رقم١٤٥٦)،
وقال أبو زرعة عن فضيل بن سليمان:«لين الحديث روى عنه علي بن المديني وكان من المتشددين» الجرح والتعديل (٧/ ٧٢)
ولكن مما ينبغي معرفته أن قولنا فلانٌ متشدد ومعتدل ومتساهل أنه نتيجة مبنية على مقدمات، وتحتاج إلى ضوابط وهنا-في رأيي- موطن الإشكال والاختلاف:
فكيف عُرف أنّ فلانا متشدد ومعتدل ومتساهل؟
وهل هذا التشدد في العبارة أو في الحكم أو في كليهما؟
وهل هو مطرد في جميع الرواة أو فيه تفصيل فتارة يتشدد وتارة يتساهل؟ أوربما تشدد في بلد دون بلد أو مذهب دون مذهب أو فئة من الرواة-مثل الذين يدخلون على السلاطين، أو قالوا بخلق القرأن كرها- دون غيرهم؟
فمثل هذه القضايا لا بدَّ من مراعاتها وتحقيقها جيدا للوصول للنتيجة السابقة ووضع الضوابط والمحترزات التي تضبط هذه المسألة.
ومن أجود ما قرأت في الإشارة إلى هذا ما قاله العلامة المعلميّ بقوله:«ما اشُتهر أنَّ فلاناً من الأئمة مُسَهِّل، وفلاناً مُشّدِّد، ليس على إطلاقه، فإنَّ منهم من يُسهل تارةً، ويُشدد أُخرى، بحسب أحوال مختلفة، ومعرفةُ هذا وغيره من صفات الأئمة التي لها أثر في أحكامهم، لا تحصل إلاَّ باستقراء بالغ لأحكامهم، مع التدبر التام». وهذا كلام نفيسٌ للغاية، جديرٌ بالعناية.