ومما يبين هذا بجلاء قول البخاريّ في سليمان بن بريدة بن الحصيب:« .. ولم يذكر سليمان سماعا من أبيه» التاريخ الكبير (٤/ ٤رقم١٧٦١) فنص البخاري على هذا مع تحقق الإدارك والمعاصرة - حيث أدرك سليمان بن بريدة قرابة أربعين سنة من حياة أبيه - دال على عناية البخاري الشديد بمذهبه ودقته في هذا فهو استقرى جميع أحاديث سليمان فلم يره صرح بالسماع، لذا لم يخرج عنه في الصحيح!!، ومع هذا فقد حسن حديث سليمان بن بريدة عن أبيه في موضعٍ-نقله عنه الترمذي في العلل الكبير- لما احتف برواية سليمان من قرائن قوية دالة على ثبوت السماع، ولهذا نظائر بينها زميلنا الدكتور: خالد الدريس في كتابه «موقف الإمامين البخاري ومسلم»(ص١٤١ومابعده).
وأمّا الإمام مسلم فقد صرح برأيه في هذه المسألة في مقدمته صحيحه فقال:«القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا: أنَّ كلّ رجلٍ ثقة روى عن مثله حديثا، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه، لكونهما جميعا كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام، فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئا، فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا فالرواية على السماع أبدا حتى تكون الدلالة التي بينا» صحيح مسلم (ص٢٩).
والذي أميل إليه في هذه المسألة العويصة ما كان عليه البخاري وكبار النقاد وأئمة الحديث في هذه المسألة، مع إعمال القرائن لإثبات السماع.
تنبيهات:
- أنّ في تطبيق رأي البخاري وكبار النقاد احتياطاً للسنة فكم رأينا من تساهل بعض المعاصرين في الحكم على الأحاديث المنقطعة، من غير نظر في سماع الرواة بعضهم من بعض، بل حتى الضوابط التي نصَّ عليها مسلم لا يلتفت إليها!، فرأي البخاري وكبار النقاد في هذه المسألة يجعل الباحث أشدّ عناية بتتبع السماع والعناية به.