لا ينبغي أن يشكّل هاجس الخوف من احتمال وقوع خطأ في فهمه أو استنتاجه مانعا من سعيه شخصيا في سبيل ذلك، وإن كان الخطأ مما لا بد منه في بداية الطريق بشكل طبيعي فإن هذا الأسلوب المتمثل في المقارنة يساعده في المستقبل على تجنب الأخطاء، وتنمية مواهبه العلمية، وذلك فقط إذا كان نفسه مستعدا للنقاش مع إخوانه حول ما استنتجه وتوصل إليه، وقبول الحق منهم، حتى وإن كانوا ممن يكرههم أو أقل منه شأنا.
أما إذا كان متكبرا ومقدسا لما كان يفهمه، ومعظما لنفسه، فعليه أن يترك هذا المجال العلمي لأهله.
إن طريقة المقارنة في الدراسة مفيدة جدا، وعلى الطالب أن يتدربها شيئا فشيئا منذ الخطوة الأولى في مرحلة التكوين، فإذا اعتمد الطالب في بداية حياته العلمية هذا الأسلوب، واستمر على ذلك تحت توجيهات الأساتذة المتخصصين، فإنه بإذن الله تعالى يستطيع أن يكوِّن نفسه تكوينا علميا صحيحا يساعده على إثراء المكتبات العلمية بالإبداع والعطاء العلمي المتجدد.
للأسف الشديد نرى من الباحثين من لا يهتم بدراسة المقارنة إلا لدافع عدائي، فإذا ظهر بينه وبين غيره عداوة سعى جادا في تتبع ما ألقاه من المحاضرات وما كتبه من الأبحاث وما ألفه من الكتب، ونبش المهملات التي تراجع عنها مخالفه، ذلك من أجل المقارنة بين الجديد والقديم، ثم يهيئ نفسه لتوجيه التهم نحوه بالتناقض أو بالانحراف أو غير ذلك. أما في غير ذلك فهو هادئ مقلد ومعيد ومعظم مقدس.
بقي هنا أمر آخر مهم للغاية، وهو ما يتصل بسلوك الطالب؛ فمثلا؛ لما تتبين له الإجابة ويتم حل الإشكال، سواء عن طريق الأستاذ أو بناء على جهده الشخصي، وأصاب الحق في ذلك، فعليه أن يحمد الله تعالى ويشكره، ولا يتخذ من ذلك ذريعة لإثارة الفتن أو للتكبر على زملائه أو أساتذته، ولتحقيرهم، كما يجب عليه أن يعتقد ذلك نعمة من الله تعالى، أعطاه الله تعالى إياها ليبلوه أيشكر أم يكفر. (والله تعالى أعلم).