وإذا كان الناقد قد شعر من خلال المعرفة الحديثية أن الراوي قد أخطأ في الحديث جاء التعبير عنه بقوله: هذا غير محفوظ، أو باطل، أو منكر، أو وهم، أو تفرد به فلان، أو غير ذلك من المصطلحات، وإن كان هذا الراوي إماما.
وأما إذا لم يشعر الناقد بهذا أو بذاك فعبارته تكون دقيقة أيضا؛ مثل قولهم هذا حسن أو لا بأس به أو جيد، وقد يكون الراوي ثقة أو ضعيفا غير متروك أو صدوقا.
وإذا لم تتوفر لدى الناقد آليات البحث، أو الخلفية العلمية أو القرائن، فإن تعويلهم في وصف الحديث بالصحة والحسن والضعف يكون على أحوال الرواة؛ فإن كان راويه ثقة فصحيح مع وجود تفاوت في ذلك فما رواه الأوثق مثلا لا يكون مثل ما رواه الثقة، وإن كان ضعيفا فحديث ضعيف، وإن كان صدوقا مثلا فحسن، وبقدر تفاوت مراتب الرواة في سلم الجرح والتعديل يتفاوت انطباع الناقد تجاه المرويات.
ومن هنا يتجلى أن منهج المحدثين النقاد في التصحيح والتضعيف والتحسين منهج نطبقه نحن في معاملاتنا اليومية، وإن لم نلتزم بتلك المصطلحات ذاتها.
وذلك واضح وجلي حين نتأمل قليلا أسلوبنا الذي نعتمده في معالجة الأخبار التي تصلنا؛ إذ لم نكن نعتمد على أحوال الناس في الحكم على ما ينقلون من الأخبار الدنيوية، قبولا أو ردا أو توقفا أو ترجيحا إلا في الحالات التي نفقد فيها آليات التتبع والتدقيق، فإننا حينئذ فقط نعتمد على أحوالهم العامة، وإن كان الأمر كذلك فإن العلوم الدينية والأحاديث النبوية تكون أحق بذلك التدقيق والتحفظ في القبول والرد والتوقف والترجيح.
فالخلاصة أن الأحكام ليست تابعة لأحوال الرواة، إلا في بعض الأحوال التي لم يطلع الناقد فيها على ملابسات الرواية وقرائنها، فحينئذ يميل فيها الناقد إلى أحوال الرواة في قبول الحديث أو رده أو تردده.
وأما عند كثير من الباحثين المعاصرين فصار الأصل هو أن الأحكام تابعة لأحوال الرواة ويردون بذلك أحكام النقاد.