للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا تأملنا في سيرة المحدثين النقاد المبثوثة في تضاعيف كتب التراجم، وجدناهم يحفظون الأحاديث مثل ما يحفظون سور القرآن الكريم. فيحفظون الأحاديث مقيدة براويها المدار، فمثلا: ما رواه مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، ويحصون أحاديثه عددا، وكم أحاديثه في باب كذا. وبذلك لم يستطع أحد من قبل أن يدس فيها ما لم يحدث به مالك ولو كلمة صغيرة إلا وقد اكتشف ذلك من قبل الناقد.

وللحفاظ النقاد وسائل عدة في إحصاء الأحاديث حسب رواتها الذين تدور عليهم رواياتها؛ كتتبعهم للأصول التي يملكها بعض الحفاظ أو ما يتداوله الثقات، أو المذاكرة مع الحفاظ المعاصرين لا سيما مع أثبتهم وأحفظهم، وتعد المذاكرة أكثر الوسائل شهرة لدى الحفاظ في هذا المجال.

وكذا ما رواه مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وما رواه الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وعن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهكذا ما يتصل بأصحاب الزهري، ممن يشكل مدارا رئيسا في الحديث.

وآثار هذا الإحصاء، ونتائجه تزخر لها كتب التراجم والعلل، وبذلك استطاعوا الجزم بأن فلانا تفرد، وهذا الحديث إنما يروى هكذا، أو هذا مقلوب، وغير ذلك من العبارات التي لا تصدر منهم إلا بضبط الأحاديث وإحصائها على الطريقة السابقة.

وبهذا الحفظ والاستيعاب والضبط والإحصاء يكون بعضهم أدرى وأكثر تخصصا في أحاديث بعض الحفاظ، ويقال فلان أعلم الناس بأحاديث فلان، ويقول قتادة: أحفظ أحاديث فلان مثل ما أحفظ سورة البقرة.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: ما فاتني الذي فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق إلا اتكالا على إسرائيل لأنه كان يأتي به أتم.

ورد عن إسرائيل قوله: '' كنت أحفظ حديث أبي إسحاق كما أحفظ سورة الحمد''

وأنا لا أظن أن هذه الحقائق لا تخفى على المشتغلين بالتراجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>