وأما تصحيح الحديث وتضعيفه فيتوقف أيضا على الخلفية العلمية الحديثية الواسعة، وبقدر استيعاب الناقد المعلومات اللازمة والخلفيات الحديثية يستطيع الاستدراك على من أخطأ من السابقين، هذا فقط عندما كان العلم يتجه نحو التطور والصعود والتوسع، وأما عند الانحطاط والتقليد فلا يقال: نحن رجال وهم رجال. وكم ترك الأول للآخر؟. ولا ينبغي النظر إلى من سبق من جهة أنهم استدركوا وصححوا، بل لا بد أن ننظر أيضا كيف استدركوا وصححوا.
ونحن إذ ندعو إلى احترام المتقدمين وتقديم منهجهم في تصحيح الحديث وتعليله فإننا لا نقصد بذلك تعيين عدد من النقاد في عصر من العصور، لا أربعة ولا خمسة، فافترق الأمر عما ورد في سؤالك، فإن الخلاصة عدم إمكانية تصحيح المتأخر ما اتفق المتقدمون على تضعيفه في مختلف العصور، إذ لا يمكن أن يعرف هذا المتأخر ما لم يعرفه أحد من المتقدمين، لا رواية ولا نقدا. وهذا العلم إنما يأتي عن طريقهم، ولا يمكن أن يخفى على جميع النقاد في عصور مختلفة، ثم يأتي بعدهم من هو أقل علما منهم وأقل فهما، وأضيق معرفة، ليستدرك عليهم جميعا. وأما ما تفرد بتضعيفه أحد من الأئمة المتقدمين ولم يوجد له خلاف عند غيره ثم صححه أحد من المتأخرين بقوله هذا إسناد صحيح فلا يكون الأمر فيه مثل الخروج على الأئمة الأربعة، بل يسلم الأمر للمتقدم في ضوء نصوص المتأخرين أنفسهم.
هذا كله في عدم وجود المعارضة بين المتقدمين، وأما في حال وجود الخلاف بين المتقدمين فيتوقف الأمر على الترجيح الذي يقوم على معرفة منهجهم والاطلاع على أدلة كل منهم، وفي هذه الحالة فإنه لم يخرج على المتقدمين جميعا، وإنما يخرج على بعضهم بناء على رأي الآخر من المتقدمين. والله أعلم.