إنَّ طبيعة العلوم تختلف، فإثبات السنة النبوية، وإلزام الناس بها ليس كإثبات اللغة، فاللغة تثبت بما لا يثبت به الحديث، وكذا الحال في التفسير، فإنه يثبت بما لا يثبت به الحديث، والاعتماد على هذه الروايات جزءٌ أصيل من منهجه لا ينفكُّ عنه، ومن اطَّرحها فقد مسخ علم التفسير.
٨ ـ إن التفسير له مقاييس يعرف بها عدا مقاييس الجرح والتعديل، إذ التفسير يرتبط ببيان المعنى، وإدراك المعنى يحصل من غير جهة الحكم على الإسناد، لذا فإن عرض التفسير على مجموعة من الأصول تبين صحيحه من ضعيفة، كالنظر في السياق والنظر في اللغة، والنظر في عادات القرآن والنظر في السنة ... الخ
وقد أشار البيهقي إلى هذا الملحظ فقال:«وإنما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم لأن ما فسروا به؛ ألفاظه تشهد لهم به لغات العرب، وإنما عملهم في ذلك الجمع والتقريب فقط»(١).
ومن قرأ في كتب التفسير ومارس تدريسه أدرك هذا المعنى، وإلا لرأيته يقف كثيرًا حتى يتبين له صحة هذه المرويات ليعتمد عليها، وفي هذه الحال أنَّى له أن يفسِّر.
٩ ـ ومما يحسن ملاحظته هنا أنَّ التفسير المنقول بطرق فيها ضعف له فوائد، منها أن يكون المعنى الذي يحمله التفسير مما قد اشتهر بين السلف فيستفاد منه في حال الجدل مع المعارضين، خصوصًا إذا كان في مجال الاعتقاد؛ لذا ترى بعض العلماء ينص على أنَّ بعض المعاني الباطلة في التفسير المرتبطة بالمعتقد = لم تثبت لا بالطرق الصحيحة ولا الضعيفة.
١٠ ـ وأخيرًا، فإني أرى في هذه المسألة التي يطول فيها الجدل أن يُفرَّق بين الاعتماد التام على منهج أهل الحديث في نقد الروايات وبين الاستفادة منه، فالصحيح أن يُستفاد منه، ويأتي وجه الاستفادة منه في حالات معينة؛ كأن يكون في التفسير المروي غرابة أو نكارة وشذوذًا ظاهرًا.