ومن ذلك أن بعضهم يقول:« ... وهناك آيات وألفاظ قرآنية لم تكن لتفهم حقيقتها حتى جاء التقدم العلمي يكشف عن دقة تلك المعاني والألفاظ القرآنية، مما يوحي إلى كل عاقل بأن كلام الكتاب الكريم كلام الله المحيط علمًا بكل شيء، وإن كان قد حدث جهلٌ بفهم بعض ألفاظه ومعانيه، فإن زيادة علوم الإنسان قد جاءت لتُعرِّف الإنسان بما جهل من كلام ربه».
ألا يلزم من هذا الكلام أن الصحابة قد خفي عليهم شيء من معانيه، وكذا خفي على التابعين وأتباعهم، وبقي بعض القرآن غامضًا لا يُعرف حتى جاء (التقدم العلمي! ) فكشف عن هذه المعاني.
ولو كان يعتقد هذا اللازم، فالأمر خطير جدَّا. لكني لا أشكُّ ـ محسنًا الظن بقائله ـ أنه لم يتنبه لهذا اللازم الخطير، وأُراه لو انتبه له لعدَّل عبارته.
ولقد كان من نتيجة هذا التقعيد أن لا تُذكر أقوال السلف بل يذكر ما وصل إليه البحث التجريبي المعاصر، وتفسير الآية به، وهذا فيه قصر لمعنى الآية على ذلك التفسير الحادث، وهذا خطأ محضٌ.
وقد سئل آخر: لماذا لم يبين الرسول هذه الوجوه للصحابة؟
فكانت إجابته أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لو أخبرهم بهذه الحقائق العلمية لما أدركوها، وقد يقع منهم شك أو تكذيب.
وهذا الجواب من أعجب العجب، فكيف يقال هذا في قوم آمنوا بما هو أعظم من هذه الحقائق الكونية، وأرى أن خطأ هذا أوضح من أن يوضَّح، وإني أخشى أن يكون هؤلاء ممن فرح بما أوتي من العلم، فنسب الجهل للصحابة الذين آمنوا بما هو أعظم من هذه الأمور.
ألم يؤمنوا بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسري به، ثم عرج به في جزء من الليل، ورأى ما رأى من آيات ربه الكبرى؟ أليس هذا أعجب مما يذكره الباحثون التجريبيون؟
وقل مثله في غير ذلك مما آمنوا به وصدَّقوا ولم يعترضوا.