للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي نظري أن إيراد هذه المسألة بهذه الصورة في كتب أصول الفقه فيه نظر؛ لأنه لا يفرق بين علم التفسير وعلم الفقه.

فعلم الفقه يرتبط بالعمل، إذ يتضمن افعل أو لا تفعل، وهذا إما أن يكون كذا وإما أن يكون كذا، فلا يصلح القول الثالث في كثير من الأحيان في مجال الفقه.

أما في مجال التفسير، فالتفسير مرتبط بالمعنى، والمعنى يمكن أن يتعدد، ولم يكن من شرط التفسير أنَّ السابقين قد أتوا على جميع محتملاته، بل هناك بعض المحتملات الصحيحة التي لم يذكرها السلف، وهذه المحتملات تقبل إذا توفرت فيها الضوابط الآتية:

١ ـ أن يكون المعنى المذكور صحيحًا في ذاته.

٢ ـ أن لا يبطل قول السلف.

٣ ـ أن تحتمله الآية.

٤ ـ أن لا يُقصر معنى الآية على هذا المحتمل الجديد، ويترك ما ورد عن السلف.

وإن قال قائل: هل يعني هذا جهل السلف بهذا المعنى الذي ذكره المتأخرون؟

فالجواب: إنه لا يلزم أن يوصف السلف بجهل المعنى الجديد، ولكن للمسألة وجه آخر، وهو أنه لو ظهرت لهم أمارات تدعو للقول به، وتركوه، أو قيل لهم فاعترضوا عليه، فإنه يمكن في هذه الحال أن يقال: لا يصلح القول به.

ومما يدل على ذلك تعدد اجتهاد السلف في طبقاتهم الثلاث (الصحابة والتابعين وأتباع التابعي)، ولو كان لا يجوز القول في التفسير إلا بما سمعوا، لما ورد تفسير للصحابة، ولو اكتفى التابعون بما سمعوه من الصحابة لما ورد تفسير للتابعين ... الخ.

ولو كان التفسير لا يجوز فيه الاجتهاد والإتيان بمعنى جديد، لكان مما بينه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم يتركه لمن بعده.

ومما يستأنس به في هذا المقام أن بعض السلف قد نزَّلوا آيات على بعض أهل البدع الذين عاصروهم، وهذا من باب الرأي، ولو كان لا يجوز مثله لما قالوا به، والله أعلم.

وإنما ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - تفسير جميع القرآن، وفسَّر بعضه مما احتاج التنبيه عليه أو مما وقع في إشكال على الصحابة، فسألوه، فأجابهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>