أولاً: إنه قد ثبت أنَّ بعض وجوه القراءات التي يقرأ به في المتواتر الآن بغير لغة قريش، كالهمز وتسهيله، فقريش لا تهمز، والهمز قراءة جمهور القراء، فكيف تخرج هذه القراءات التي ليست على لغة قريش.
ثانيًا: إنه يمكن أن يُحمل الأمر على رسم المصحف لا على قراءته؛ وهذا هو الظاهر من ذلك الأثر، فقوله:«فاكتبوه على لغة قريش» إشارة إلى الرسم لا إلى القراءةِ، أمَّا القراءة فإنه يُقرأ بها بغير لغة قريش وإن كان برسم لغتها ما دام ثابتًا.
ويدلُّ لذلك أنَّه قد وردت بعض الألفاظ التي كُتبت في جميع المصاحف على وجه واحد من الرسم، وقد ثبتت قراءتها بغير هذا الرسم.
ومن ذلك ما حكاه أبو عمرو الداني (ت: ٤٤٤) من أنَّ مصاحف أهل الأمصار اجتمعت على رسم الصراط وصراط بالصاد، وأنت على خُبرٍ بأنها تُقرأ في المتواتر بالصاد وبالسين وبإشمامها زايًا.
وإنما قرئت هي وغيرها مما رسم على وجه، وقرئت أيضًا على وجه آخر بالأخذ عن القارئ الذي أقرأ بهذه المصاحف، وهذا يعني أنَّه لا يلزم أخذ القراءة من الرسم حتى توافق قراءة القارئ، وأنه يجوز أن يقرأ القارئ بما يخالف المرسوم، لكنه يكون من الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو مضبوط معروف، لذا لم يكن في مصحف عثمان مثل قراءة أبي الدرداء وابن مسعود:«والذكر والأنثى» مع صحة سندها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ويقال: إنما رُدَّت مع صحة سندها لأنه لم يقرأ بها في العرضة الأخيرة، ولم توافق المصحف، وليس ردها لمخالفة رسم المصحف فقط، والله أعلم.
وبعد هذا يكون الفرق بين عمل أبي بكر وعمل عثمان كما يأتي:
١ ـ أنَّ أبا بكر أراد حفظ القرآن مكتوبًا، خشية أن يموت قراء الصحابة، فيذهب بذهابهم.
أما عثمان بن عفان، فكان الاختلاف الذي نشأ بين التابعين سببًا في نسخه للمصاحف.