وتظهر الصعوبة أيضًا في أنه لا يوجد تدوين تامٌّ للهجة قبيلة دون غيرها، وإن كان في الكتب إشارة إلى بعض الظواهر اللهجية لهذه القبائل.
وإذا تأمَّلت ما يتعلق باللغات العربية، وجدته أكثر ما يتعلق به الخلاف في القراءات، خصوصًا ما يتعلق بالنطق، فقبيلة تعمد إلى الإدغام في كلامها، وقبيلة تعمد إلى الإمالة، وقبيلة تعمد إلى تسهيل الهمز، وقبيلة تعمد إلى تحقيق الهمز، وقبيلة تعمد إلى ترقيق بعض الأحرف، وقبيلة تعمد إلى تفخيمها، وهكذا غيرها من الظواهر المرتبطة بالصوتيات التي تتميَّز بها قبيلة عن قبيلة.
ويظهر أنَّ هذه الصوتيات هي أكبر ما يراد بنُزول الأحرف السبعة، وهي التي يدل عليها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أسأل الله مغفرته ومعافاته، وإن أمتي لا تطيق ذلك»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «يا جبريل. إني أرسلت إلى أمة أمية: الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ العاني الذي لم يقرأ كتابًا قط».
إذ الذي يستعصي على هؤلاء هو تغيير ما اعتادوا عليه من اللهجات إلى غيرها، دون ما يكون من إبدال حرف بحرف، أو زيادة حرف، أو إعراب، فإن هذه لا تستعصي على العربي. لكن أن يكون عاش جملة دهره وهو يميل، فتريد أن تعوده على الفتح، أو كان ممن يدغم، فتريد أن تعوِّده على الإظهار = فذلك ما يعسر، والله أعلم.
ولا يفهم من هذه الجملة في هذا الحديث أنَّ الاختلاف في الأحرف يرتبط بهذه اللهجات دون غيرها من وجوه الاختلاف، بل يُحملُ هذا على أن هذا النوع المتعلق باللهجات هو أعظم فائدة مقصودة في نزول الأحرف السبعة، وليس هذا الفهم بدعًا، ففي الشريعة أمثلة من هذا النوع، ومن ذلك:
قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الحج عرفة»، والحج يشتمل على أعمال غير الوقوف بعرفة، فقوله - صلى الله عليه وسلم - يدل على أنَّ هذه العمل أعظم أعمال الحج.