ولا بد عند دراسة العقيدة من العناية بفهم مذهب السلف والرسوخ في منهجهم والتشبع من طريقة خير القرون من الصحابة والتابعين؛ فإن هذا التشبع والرسوخ إن حصل كان بعون الله حصنا حصينا وسدا منيعا من التأثر بالطرق الكلامية والمناهج البدعية.
وقد كانت هذه وصية أئمة السلف لحماية صغار الطلبة من الانزلاق في متاهات الباطل وتلبيسات المبطلين، فمن ذلك قول يوسف بن أسباط رحمه الله:(من نعمة الله على الشاب أن يوافق رجل سنة يحمله عليها) وقال أيوب: (إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة) ذلك أن النشأة الأولى لها أعظم الأثر في معتقد المرء وفي منهجه، وانظر إن شئت في سير العلماء وأحوالهم ألا ترى أن بعضهم لما كانت نشأته الأولى في تعلم علوم الأوائل والتشرب من العلوم العقلية لم ينتفع كثيرا في آخر عمره من رجوعه ومطالعته لآثار السلف، بل بقي في نفسه شيء من تلك التركة المظلمة، أما من كان في أول عمره مقبلا على علوم الكتاب والسنة متعلقا بآثار السلف لم يضره فيما بعد مطالعته للعلوم العقلية وتعمقه فيها، وهذا ما حصل لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ فإنه تمكن من الرد على الفلاسفة وأهل المنطق دون أن يتأثر بهم.
إن العناية بالنشء أمر في غاية الأهمية، وذلك إنما يكون بتربيتهم على المتون النافعة، الخالصة من الشوائب، وقصرهم عليها في نشأتهم الأولى، ونظير هذا تلكم الجرعات الوقائية التي تعطى للرضع والأطفال لكي تصبح أجسامهم قادرة على مدافعة الجراثيم والفيروسات الحاملة للأوبئة والأمراض ومقاومتها بإذن الله، وقد صار هذا الصنيع في وقتنا الحالي عرفا متبعا وعادة ملزمة.
ولاشك أن حماية الدين وحفظه أهم وأوجب من حفظ النفوس، ومن هنا كانت وسائل حفظ الدين أعلى رتبة من وسائل حفظ النفس.
أسأل الله أن يشرح صدورنا لمنهج خير القرون ولنصرة هذا الدين. اللهم آمين.