للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: استعماله مضافا إليه بعد (بين)، فيكون بمعنى أمام، كقولك: جلس بين يديه، ومشى بين يديه، ويجري هذا الاستعمال في العاقل، وغير العاقل كقوله تعالى: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [(٦٤) سورة مريم] وقوله {وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} [(١٢) سورة سبأ] وقوله {بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [(٥٧) سورة الأعراف] ونظائر ذلك كثيرة.

فهذه أربعة وجوه من الاستعمالات:

ثلاثة منها مجاز وهي: الأول، والثالث، والرابع.

والثاني: حقيقة.

ويمتنع المجاز في اليدين إذا أسند الفعل لفاعل، وعدي إلى اليدين بالباء كقولك: عملت بيدي، ومنه قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [(٧٥) سورة ص].

وأما إذا أسند الفعل إلى اليدين كقولك: هذا ما فعلت يداك، فهو من قبيل المجاز العقلي؛ لأنه عبر باليدين عن الفعل مطلقا، وإن لم يكن فعل بيديه.

وبهذا يظهر الفرق بين قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [(٧١) سورة يس]، وقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [(٧٥) سورة ص]، فلا تدل الآية الأولى على خلق الأنعام باليدين،

وتدل الآية الثانية على خلقِ اللهِ آدم َ بيديه؛ فتثبت له هذه الخصوصية على سائر الناس.

فمن جعل آية "ص" نظيرا لآية "يس"؛ فقد أخطأ فبين الآيتين فروق:

ففي آية "ص" أضاف الله الفعل إلى نفسه، وعداه إلى اليدين بالباء، وذكر اليدين بلفظ التثنية، وأضافهما إلى ضمير المفرد.

وفي آية "يس" أضاف سبحانه الفعل إلى اليدين بلفظ الجمع، وذكر نفسه بلفظ الجمع الدال على التعظيم.

فيجب التفريق بين المختلفات من الألفاظ، والمعاني، والتسوية بين المتماثلات، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>