المذاكرة، أو الفتيا، أو المناظرة، فلم يذكر له سندًا، وربما اقتصر على ذكر بعض رواته دون بعض، فهذا لا يضر ذلك سائر رواياته شيئًا، لأن هذا ليس جرحة ولا غفلة، لكننا نترك حديثه ما علمنا يقينًا أنه أرسله، وماعلمنا أنه أسقط بعض من في إسناده، ونأخذ من حديثه مالم نوقن فيه شيئًا من ذلك.
وسواء قال:"أخبرنا"، أو قال:"عن فلان"، أو قال:"فلان عن فلان"، كل ذلك واجب قبوله، ما لم يتيقن أنه أورد حديثًا بعينه إيرادًا غير مسند فإن أيقنا ذلك تركنا ذلك الحديث وحده فقط، وأخذنا سائر رواياته، وقد روينا عن عبد الرزاق بن همام، قال: كان معمر يرسل لنا أحاديث، فلما قدم عليه عبد الله ابن المبارك أسندها له.
وهذا النوع منهم كا جلة أصحاب الحديث وأئمة المسلمين: كالحسن البصري، وأبي إسحاق السبيعي، وقتادة بن دعامة، وعمرو بن دينار، وسليمان الأعمش، وأبي الزبير، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة.
وقد أدخل على عمر بن عمر الدارقطني فيهم مالك بن أنس، ولم يكن كذلك، ولا يوجد له هذا إلا في قليل من حديثه، أرسله مرة، وأسنده أخرى (١).
قلت: التعريف الذى عرف به ابن حزم القسم الأول من التدليس لم أجد أحدًا وافق ابن حزم عليه، فالأشياء التى ذكرها ابن حزم لا تُعد من التدليس، والمثال الذى ذكره عن عبد الرزاق لا نستطيع من أجله وصف معمر بالتدليس، وكذلك لا نستطيع وصف مالك بالتدليس لأنه كان يرسل بعض حديثه أحيانًا، ويسنده أحيانًا.
وتعريف ابن حزم السابق للتدليس مختلف عن تعريف العلماء له، وابن حزم رحمه الله لم يكن من الراسخين في هذا الفن، وعليه مؤاخذات كثيرة في علم الحديث ويكفي أنه قال عن الإمام الترمذي: أنه مجهول.
(١) "الإحكام في أصول الأحكام" (١/ ١٨٤ - ١٨٥) (باب: "الكلام في الأخبار وهي السنن المنقولة").