قال الخطيب البغدادي: الضرب الأول من التدليس: تدليس الحديث الذى لم يسمعه الراوي ممن دلسه عنه بروايته إياه على وجه يوهم أنه سمعه منه، ويعدل عن البيان بذلك، ولو بين أنه لم يسمعه من الشيخ الذى دلسه عنه، فكشف ذلك لصار ببيانه مرسلًا للحديث غير مدلس فيه، لأن الإرسال للحديث ليس بإيهام من المرسل كونه سامعًا ممن لم يسمع منه، وملاقيًا لمن لم يلقه، إلا أن التدليس الذى ذكرناه متضمن للإرسال لا محالة، من حيث كان المدلس ممسكًا عن ذكر من بينه وبين من دلس عنه، وإنما يفارق حاله حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمع منه فقط، وهو الموهن لأمره، فوجب كون هذا التدليس متضمنًا للإرسال والإرسال لا يتضمن التدليس، لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمع منه، ولهذا المعنى لم يذم العُلماء من أرسل الحديث، وذموا من دلسه (١).
وقال ابن عبد البر: التدليس هو أن يُحدث الرجل عن الرجل قد لقيه، وأدرك زمانه، وأخذ عنه، وسمع منه، وحدث عنه بما لم يسمعه منه، وإنما سمعه من غيره عنه، ممن تُرضى حاله، أو لا تُرضى، على أن الأغلب في ذلك أن لو كانت حاله مُرضية لذكره، وقد يكون لأنه استصغره.
هذا هو التدليس عند جماعتهم، لا اختلاف بينهم في ذلك.
واختلفوا في حديث الرجل عمن لم يلقه، مثل: مالك عن سعيد بن المسيب، والثوري عن إبراهيم النخعي، وما أشبه هذا، فقالت فرقة: هذا تدليس، لأنهما لو شاء لسميا من حدثهما، كما فعلا في كثير مما بلغهما عنهما، قالوا: وسكوت المحدث عن ذكر من حدثه مع علمه به دلسة.