للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

شر الأقسام، وهو الذى يسمونه تدليس التسوية، وقد سماه بذلك أبو الحسن بن القطان وغيره من أهل هذا الشأن، وصورة هذا القسم من التدليس أن يجيء المدلس إلى حديث سمعه من شيخ ثقة، وقد سمعه ذلك الشيخ الثقة من شيخ ضعيف، وذلك الشيخ الضعيف يرويه عن شيخ ضعيف، فيعمل المدلس الذى سمع الحديث من الثقة الأول فيسقط منه شيخ شيخه الضعيف، ويجعله من رواية شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل كالعنعنة ونحوها، فيصير الإسناد كله ثقات، ويصرح هو بالاتصال بينه وبين شيخه، لأنه قد سمع منه، فلا يظهر حينئذٍ في الإسناد ما يقتضي عدم قبوله إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل (١).

قال بدر الدين الزركشي: تدليس الإسقاط وهو ألا يسقط شيخه، لكن يسقط من بعده، لكونه رجلًا ضعيفًا، أو صغير السن، لتحسين الحديث بإسقاطه، ذكره الخطيب قال: وكان الأعمش والثوري وبقية يفعلون هذا النوع.

واعلم أن بعضهم سمى هذا النوع تدليس التسوية، ومنهم أبو الحسن بن القطان وتلميذه ابن المواق، فقال في "بغية النقاد": "وصورته عند أئمة هذا الشأن أن يعمد الراوي إلى إسقاط راوٍ من بين شيخه وبين من رواه عنه شيخه، أو من بين شيخه ومن بين من رواه عنه شيخ شيخه ليقرب بذلك الإسناد، وإنما يفعل من يفعله منهم في راويين عُلم التقائهما واشتهرت رواية أحدهما عن الآخر حتى يصير معلوم السماع منه، ثم يتفق له في حديث أن يرويه عن رجل عنه، فيعمد ذلك المسوى إلى ذلك الرجل فيسقطه فيبقى الإسناد ظاهر الاتصال، فيسوي الإسناد كله ثقات، وهذا شر أقسام التدليس، لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفًا بالتدليس، ويجده الواقف على المسند كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة آخر، فيحكم له بالصحة، وفى هذا غرور شديد، قال: ومثاله حديث علي "إذا كان لك ما تبادرهم"، ح، جرير سمع من أبي إسحاق، وروى عنه الكثير، ثم


(١) "التقييد والإيضاح" (صـ ٩٥ - ٩٧).

<<  <   >  >>