للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولعل الحديث أو الحديثان اللذان دلسهما شريك كانا من سوء حفظه، وليس عن عمدٍ منه، فلعله رواهما عن شيخ له، وكان أخذهما عن آخر عن هذا الشيخ، فأسقط اسم شيخه من الإسناد.

فالصواب عدم التوقف في عنعنة شريك عن شيوخه، إلا إذا ثبت أن شريك دلس هذا الحديث بعينه، فحينئذِ يتوقف في عنعنته، أما إعلال الحديث بعنعنة شريك فليس عليه عمل الأئمة المتقدمون والله أعلم.

قال ابن حزم: وأما المُدلس فينقسم إلى قسمين: ثم ذكر القسم الأول، ثم قال: وقسم آخر قد صح عنهم إسقاط من لا خير فيه من أسانيدهم عمدًا، وضم القوى إلى القوى تلبيسًا على من يحدث، وغرورًا لمن يأخذ منه، ونصرًا لما يريد تأييده من الأقوال، مما لو سمى من سكت عن ذكره لكان ذلك علة ومرضًا في الحديث، فهذا رجل مجروح، وهذا فسق ظاهر، واجب اطراح جميع حديثه، صح أنه دلس فيه أو لم يصح أنه دلس فيه، وسواء قال: سمعت أو أخبرنا، أو لم يقل، كل ذلك مردود غير مقبول، لأنه ساقط العدالة، غاش لأهل الإسلام باستجازته ما ذكرناه، ومن هذا النوع كان الحسن بن عمارة وشريك بن عبد الله القاضي (١).

قلت: لا أعلم أن أحدًا من العلماء قبل ابن حزم وصف شريك بتدليس التسوية، وابن حزم رحمهُ اللهُ لم يكن من الراسخين في هذا الفن، بل عليه مؤاخذات كثيرة في علم الحديث، فلا يعتد بقوله في شريك طالما لم يسبقه أحد إليه، وخاصة أن شريك النخعي قد تكلم عليه العلماء قاطبة، وسبروا رواياته، فلو كان يدلس تدليس التسوية لوصفوه بذلك والله أعلم.

وانظر أيضًا التعليق على قول ابن حزم في الذى في ترجمة الحسن البصري.


(١) "الإحكام في أصول الأحكام" (١/ ١٨٥) (باب: "الكلام في الأخبار وهي السنن المنقولة").

<<  <   >  >>