للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخرج الطبري بسنده عن أبي العتاهية قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً فكان بين رجلين ما يكون بين الناس حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه، فقال رجل من جلساء عبد الله: ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه: عليك بنفسك، فإن الله تعالى يقول: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: ١٠٥] قال فسمعها ابن مسعود فقال: مه، لما يجىء تأويل هذه بعد! إن القرآن أنزل حيث أنزل، ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه ما وقع تأويلهن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنه آي وقع تأويلهن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بيسير، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم، ومنه آي يقع تأويلهن عند الساعة على ما ذكر من الساعة، ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار .. الأثر (١).

قلت: ولو رحنا نستقصي أقوال السلف وتفسيراتهم للفظ "التأويل" لطال بنا المقام، ونكتفي في هذه العجالة ببيان مراد السلف بعامة بلفظ "التأويل" فنقول:

إن لهذا اللفظ في عرف السلف (٢) معنيين:

أحدهما: تفسير الكلام وبيان معناه سواء أوافق ظاهره أم خالفه، فيكون التأويل والتفسير بهذا المعنى متقاربين أو مترادفين، وهذا الذي عناه ابن جرير الطبري في تفسيره عندما قال: القول في تأويل قوله كذا وكذا ... واختلف أهل التأويل في هذه الآية، ونحو ذلك، ومراده التفسير (٣).


= لم يجىء تأويلها هذه الآية اليوم" ١١/ ١٤٠ (ط: شاكر) وانظر هذا الأثر في الدر المنثور: ٣/ ٢١٧ (ط: دار الفكر: ٨٣).
(١) ١١/ ٤٣٣ - ١٤٤ وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٣/ ٢١٦ (ط: دار الفكر ٨٣) وعزاه إلى نعيم بن حماد في الفتن، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان.
(٢) لا شك أن السلف هم أدرى بلغة القرآن الكريم وبتفسيره، وفهمهم هو الفهم الصحيح الذي يشبه العسل المصفى.
(٣) ومنه قول الإِمام أحمد في كتابه "الرد على الجهمية والزنادقة": بيان ما تأولت الجهمية من قول =

<<  <   >  >>