للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي يُعَولُ عليها في فهم كتاب الله وسنة رسول الله صلوات الله عليه، فراح يستهدي العلماء في حل مشكلات هذه القضايا ومعرفة غامضها ومبهمها، فخص - رحمه الله - الِإمام الغزالي بالنصيب الأوفر من هذه الأسئلة والاستفسارات العقدية المشكلة، فكان جواب الغزالي بمثابة القانون الكلي المعتمد، الذي يرجع إليه في تأويل كثير من قضايا ومباحث العقيدة.

فالغزالي هو أول من تكلم عن التأويل من الأشاعرة بشكل منظم (١)، ووضع له قانوناً خاصاً بفضل الأسئلة التي طرحها عليه فقيهنا ابن العربي (٢).

وقبل أن نتعرض لبحث قانون التأويل عند الجويني والغزالي وابن العربي أودّ أن أشير إلى أن قانوناً للتأويل كان قد وضعه الفيلسوف أبو علي ابن سينا (ت: ٤٢٨) نبهنا إليه شيخ الإِسلام ابن تيمية بقوله: ( ... وقد وضع ابن سينا وأمثاله قانونهم ... كالقانون الذي ذكره في "رسالته الأضحوية" وهؤلاء يقولون: الأنبياء قصدوا بهذه الألفاظ ظواهرها، وقصدوا أن يفهم الجمهور منها هذه الظواهر، وإن كانت الظواهر في نفس الأمر كذباً وباطلاً ومخالفة للحق، فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب والباطل للمصلحة .... " (٣).

قلت: وبالرجوع إلى هذه الرسالة الأضحوية (٤)، نرى ابن سينا يقول


(١) د. محمد السيد الجليند: ابن تيمية وقانون التأويل: ٢١٣، قلت: وقد تكلم الجويني في هذا الموضوع كما سيأتي معنا.
(٢) لقد توصلت بحمد الله- إلى أن كتاب "قانون التأويل" للإمام الغزالي الذي نشره لأول مرة الشيخ محمد بن زاهد الكوثري (ط: عزت الحسيني القاهرة ١٣٥٩) هو عبارة عن الأجوبة التي أجاب بها الغزالي عن أسئلة تلميذه ابن العربي، وقد صرّح ابن تيمية بأن السائل هو "ابن العربي" درء تعارض العقل والنقل: ١/ ٥، كما توجد هذه الأجوبة في الخزانة العامة بالرباط ضمن مجموع تحت رقم: (٥٥٥ ق) وقفت عليه، كما توجد كذلك بمكتبة الجامعة الأمريكية ببيروت ضمن مجموع (- LA MS: ٢٩٧-٣. A.AL) من (١ - ٢٤). وقد اشتهرت هذه الأجوبة عند المغاربة فَضَمَّنُوهَا كتبهم، وانظر على سبيل المثال الونشريسي في المعيار المعرب: ١١/ ٢٤ - ٢٧.
(٣) ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل: ١/ ٥.
(٤) الاسم الكامل لهذه الرسالة هو: "رسالة أضحوية في أمر المعاد" نشرت بتحقيق أستاذنا د. سليمان دنيا (ط: دار الفكر العربي ١٣٦٨ - ١٩٤

<<  <   >  >>