للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالإنسان إذا علم بالعقل أن هذا رسول الله، وعلم أنه أخبر بشيء، ووجد في عقله ما ينازعه في خبره- كان عقله يوجب عليه أن يسلم موارد النزاع إلى من هو أعلم به منه، وأن لا يقدم رأيه على قوله، ويعلم أن عقله قاصر بالنسبة إليه، وأنه أعلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته واليوم الآخر منه.

أما قول ابن العربي السابق الذكر الذي يقول فيه: "إنَّ الشرع لا يجوز أنْ يَرِدَ بما يردَّه العقل وكيف يصح ذلك والعقل بمثابة المزكي للشرع والمعدل، فكيف يصح أن يجرح الشاهد مزكيه" (١) وكذلك قوله: "لا يصح أن يأتي في الشرع ما يضاد العقل فإنه الذي يشهد بصحة الشرع ويزكيه .. فكيف يأتي الشاهد بتكذيب المزكي" (٢).

قلت: وقد تكفل شيخ الإِسلام بالرد على هذه الدعاوى الباطلة من عدّة وجوه، وسأقتصر على نقل وجهين فقط في هذا المبحث وذلك لضيق المجال.

قال ابن تيمية: "الشاهد إذا صرّح بتكذيب معدليه لم يكن تكذيب المعدَّل من عدله في قضية معينة مستلزماً للقدح في تعديله؛ لأنه يقول: كان عدلاً حين زكاني، ثم طرأ عليه الفسق، فصار يكذب بعد ذلك، ولا ريب أن العدول إذا عدّلوا شخصاً، ثم حدث ما أوجب فسقهم، لم يكن ذلك قادحاً في تعديلهم الماضي، كما لا يكون قادحاً في غير ذلك من شهاداتهم.

فتبين أن تمثيل معارضة الشرع للعقل بهذا ليس فيه حُجة على تقديم آراء العقلاء على الشرع بوجه من الوجوه.

وأيضاً فإذا سلّم أن هذا نظير تعارض الشرع والعقل فيقال: من المعلوم أن الحاكم إذا سمع جرح المعدَّل وتكذيبه لمن عدَّله في بعض ما أخبر به لم


(١) ابن العربي: المتوسط: ١١.
(٢) ابن العربي: قانون التأويل ص ٦٤٦.

<<  <   >  >>