للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكن هذا مقتضياً لتقديم قول الذينَ زكُّوه، بل يجوز أن يكونوا صادقين في تعديله، كاذبين فيما كذبهم فيه، ويجوز أن يكونوا كاذبين في تعديله، وفي هذا، ويجوز أن يكونوا كاذبين في تعديله، صادقين في هذا، سواء كانوا متعمدين للكذب أو مخطئين، وحينئذ فالحاكم يتوقف حتى يتبين له الأمر، لا يردّ قول الذين عدّلوه بمجرد معارضته لهم، فلو كان هذا وِزَانَ تعارض العقل والشرع، لكان موجب ذلك الوقف دون تقديم العقل" (١).

وأختم هذه الردود برد لطيف ذكره الِإمام محمد بن المرتضى اليماني من مجتهدي القرن الثامن باليمن وهو: إن العلوم يستحيل تعارضُها في العقل والسمع، فتعارضها تقدير محال، فإنه لو بطل السمع أيضاً بعد أن دل العقل على صحته لبطلا معاً أيضاً؛ لأن العقل قد كان حكم بصحة السمع وأنه لا يبطل، فحين بطل السمع علمنا ببطلانه بطلان الأحكام العقلية (٢).

وبعد: فإن تقديم العقل على الشرع من أعظم الخطايا التي وقع فيها المتكلمون والتي أدَّت بنا إلى التحزب والفرقة والتكفير. فهذا الأصل الذي اتخذوه قانوناً أعظم فرية وأشدّ بلية وأكبر إثماً من كثير بما أجمعوا عليه أنه بدعة أو كفر.

فمذهب السلف رضي الله عنهم فيه الإنسة والحجة وغيره فيه الوحشة والشبهة، وهذا المذهب هو الذي مال إليه فقيهنا ابن العربي في أواخر حياته حين قال:

" ... إن ما لا يوافق الشرع المنقول مطروح وإن قبلته ظواهر العقول ... " (٣).


(١) ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل ١/ ١٤٣ - ١٤٤.
(٢) وقد نسب ابن المرتضي هذا الرد إلى شيخ الإِسلام ابن تيمية وابن دقيق العيد وبدر الدين الزركشي في شرحه لجمع الجوامع للسبكي، إيثار الحق على الخلق: ١٢٣.
(٣) ابن العربي: المسالك شرح موطأ مالك: ورقة ٢ (مخطوط دار الكتب المصرية).
قلت: ولا شك أن هذه العبارة هي توجيه بالغ للمستبصرين وتعليم هام للمسترشدين.

<<  <   >  >>